مقالة الأخلاق بين المطلقية والنسبية ، هل الأخلاق ثابتة أم متغيرة
الأخلاق بين المطلقية والنسبية
مقالة فلسفية بكالوريا 2022 2023 الجزائر
أهلاً بكم زوارنا الكرام على موقع الحل المفيد الموقع الإلكتروني التعليمي المتميز والمتفوق بمعلوماته الصحيحة كما نقدم لكم اجوبة مختصرة على أسالتكم المتنوعة من المناهج الدراسية والعلوم الثقافية والتاريخية والاخبارية باجابة مفيدة كما ننشر لكم أعزائي الطلاب في صفحة موقع( الحل المفيد alhlmfid.com) ملخص أهم الدروس وحلول الواجبات والمراجعات لجميع المواد الدراسية للفصل الدراسي الأول والثاني المنهج الجديد كما نقدم لكم إجابة السؤال التالي....مقالة الأخلاق بين المطلقية والنسبية ، هل الأخلاق ثابتة أم متغيرة
الحل هو
الأخلاق بين المطلقية والنسبية
نص السؤال: * هل الأخلاق ثابتة أم متغيرة؟ * هل صحيح أن الأخلاق ثابتة في مبادئها متعددة في مذاهبها؟ * هل الأخلاق دائمة لا يطالها التغير؟
* هل القيمة الخلقية من حيث طبيعتها مطلقة أم نسبية؟ هل القيم الأخلاقية مطلقة واحدة أم نسبية متعددة؟
المقال:
طرح المشكلة
تعتبر فلسفة الخير والشر أو ما يصطلح عليه بفلسفة الأخلاق الجانب العملي من الفلسفة والذي يهتم بدراسة ما يجب وما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان، ولهذا تعتبر مسألة البحث عن أساس القيم الخلقية من أبرز المواضيع التي نالت اهتمام المفكرين والفلاسفة وتعدد مذاهبهم الأخلاقية، وهذا يدل على أن أساس القيم الأخلاقية لم يكن محل اتفاق وإجماع بينهم، فهناك من يرى أن الأخلاق واحدة ودائمة صالحة لكل زمان ومكان، بينما يذهب آخرون إلى رفض التسليم بثبات ومطلقية القيم الخلقية وبالتالي فهي في رأيهم نسبية ومتعددة، ولرفع هذا التعارض والجدال القائم بين الموقفين حق لنا أن نتساءل: هل القيم الخلقية مطلقة أم أنها نسبية؟ وبتعبير آخر: هل الأخلاق ثابتة أم متغيرة؟
محاولة حل المشكلة
يرى علماء الدين فضلا عن كبار الفلاسفة العقلانيين وعلماء الأخلاق قديما وحديثا أن القيم الخلقية ترد إلى أسس ثابتة ومطلقة لا تحدها حدود الزمان والمكان، ولا يحددها قيد ولا شرط، فهي قيم كلية ثابتة لا تتبدل ولا تتغير مع الظروف في صفاتها وفي ماهيتها، ويستمد هذا الموقف تبريره من قيام الأخلاق على جملة من المبادئ والثوابت العامة التي تحدد معايير السلوك الكلية، من هنا كانت الأخلاق قيما موضوعية واحدة لجميع البشر.
ففي الفكر الإسلامي يرى علماء الدين أن الدين يتمثل في التعاليم الإلهية المنزلة على الناس في شكل أوامر ونواهي، لذا جعلوا الدين أساس الأخلاق، واستدلوا على ذلك بأن الدين منزه عن الخطأ لأنه صادر عن الله تعالى المتصف بالكمال وكل الصفات التي تجعل معيار الدين مطلقا ومنزها، ومنه فتعاليم الدين جاءت لتقرر ما هو خير وما هو شر، وقد ركز المسلمون على الأفعال من حيث حسنها وقبحها حيث يرى الفقيه والمتكلم الأندلسي "ابن حزم الظاهري" أن الدين الإسلامي هو أساس كل القيم، فالعقيدة السمحاء كانت وما تزال منبع مكارم الأخلاق وقيمها العليا، و ترى المعتزلة أن الحسن والقبح صفات ذاتية في الأفعال تجعل منها قبيحة أو حسنة، فالقيم الأخلاقية تكون في الأفعال ذاتها والعقل هو الذي يدركها، فالشرع يخبرنا بالأفعال دون أن يثبت أنها خير أو شر والإنسان حر في اختياره ومسؤول أمام الله "فالشرع مخبر والعقل مخير" والفعل خير لأنه يحمل الخير في ذاته وقبيح لأنه يحمل القبح في ذاته. وحجتهم في ذلك أن الناس عرفوا الخير والشر قبل نزول الوحي، وما بعث الأنبياء والرسل إلا ليتمموا مكارم الأخلاق واعتمدوا في رسالاتهم على العقل قال (ص ): "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". أما الأشاعرة فهم عكس المعتزلة لأنهم يرون أن العقل لا يملك القدرة على التمييز بين الخير والشر، فالخير ما أمرنا به الله والشر ما نهانا عنه. قال تعالى: "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"، وفي ذلك أيضا يقول الأشعري: "إن الخير والشر بقضاء الله وقدره"، وأيده في ذلك الجويني قائلا: "المراد بالحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله والمراد بالقبح ما ورد الشرع بذم فاعله" فالحسن والقبح يوجههما الشرع لا العقل، وما دور العقل إلا الخضوع لتعاليم الشرع فلا اختيار لإرادة الإنسان أمام إرادة الله لأن: "الشرع مخبر والعقل مجبر".
كما أن رد القيم الخلقية إلى العقل يعني هو الآخر أن أساسها ثابت ومطلق، حيث يؤكد أنصار النزعة العقلية المثالية أن وحدة الأخلاق ومطلقيتها تؤسسها مرجعية العقل كملكة للحكم والتمييز بين الأشياء، فقيمة الإنسان في عقله كماهية ثابتة لا تتغير ولا تتأثر بظروف الزمان والمكان، فالعقل هو الذي يدرك الخير الأسمى ومعنى الفضيلة في ذاتها بعيدا عن كل شرط، لهذا كان هو مصدر القيم الأخلاقية وواضع كل القوانين التي تتصف بالكلية والشمول. ففي الفلسفة اليونانية يرى سقراط بأن العلم فضيلة والجهل رذيلة، فالإنسان يفعل الخير لعلمه به ويفعل الشر لجهله به ، كالطفل الذي يفعل بعض الأمور اللاأخلاقية لجهله بها، كما صرح أفلاطون أن العدل المطلق والجمال المطلق والخير الأسمى...معايير ثابتة توجد في عالم المثل. ولا يصل إليها الإنسان إلا من خلال العقل وتأملاته، وليؤكد على أن إدراك الخير هو حكم عقلي قسم أفلاطون أفعال الناس حسب قوى النفس إلى ثلاثة أقسام: النفس العاقلة وفضيلتها الحكمة، والنفس الغضبية وفضيلتها الشجاعة والنفس الشهوية وفضيلتها العفة، والحكمة هي رأس الفضائل لأنها تحد من طغيان النفس الشهوية والغضبية معا، فالخير حسب أفلاطون حقيقة مثالية متعالية عن الواقع يقول في هذا الصدد: " إن الخير فوق الوجود شرفا وقوة "، وقد ساند الرواقيون الطرح القائل بأن العقل هو أساس القيم الخلقية من خلال شعارهم الشهير " عش في وفاق مع الطبيعة والعقل".
وفي العصر الحديث يعلن فيلسوف ألمانيا الأكبر إيمانويل كانط عن أخلاق الواجب، أو الواجب من أجل الواجب لا غير التي تكون نابعة من العقل ولا ترتبط بالواقع الحسي تماما، فالقيام بالفعل يجب أن يكون منزها عن أية منفعة كانت وأن يكون هذا الفعل صادرا وفق إملاءات الواجب الذي يعرفه كانط بقوله:" ضرورة أداء الفعل احتراما للقانون "، وعليه يكون الفعل أخلاقيا إذا لم يتضمن منفعة، وإذا ارتبط الفعل بمنفعة أو كان القصد من ورائه تحقيق نتائج أصبح فعل غير أخلاقي، إذن الفعل حسب كانط يقاس بذاته لا بنتائجه وفي هذا يقول: "وهكذا فإن القيمة الأخلاقية للفعل لا تكمن في الأثر الذي ينتظر منها "، "الضمير الخلقي ملكة عقلية خالصة وأحكامها مطلقة"، أما لايبنتز فيقول: "إن الأفعال الخلقية هي من وحي العقل".
النقد:
إن القول بمطلقية القيم الخلقية وثباتها كما هو مطروح في الأساس الديني والعقلي وبالرغم من المحاسن العديدة التي يتضمنها إلا أن بعض الفلاسفة لاحظوا أن نسبية القيم الخلقية وتعددها أمر يؤكده الواقع. وبالتالي لا مجال للقول بأن القيم الخلقية مطلقة، ذلك لأنه وكما يقال القيمة المطلقة عملاق بقدمين ضعيفتين، كما أن رد القيم الخلقية إلى الشرع وحده وإن كان له ما يبرره بوصف الدين إلزام مقدس إلا أنه يجب التذكير بأن الشرع ذاته يدعو إلى إعمال العقل في أكثر من نص، كما أن هناك من تكلم باسم الدين واستعمله كوسيلة لتحقيق مصلحته الخاصة (الخلافة الإسلامية للوصول إلى الحكم، ما حدث في أوربا في العصور الوسطى وسيطرة رجال الكنيسة على أذهان وأموال الناس قرونا)، كما أنه من جهة أحكام الشرع فبرغم أطرها الكلية إلا أنها تتميز بالمرونة لتساير حياة الشعوب عبر الأزمان، فكثير من الأحكام الفقهية تتغير ويلحقها التعديل حسب ظروف الزمان والمكان. وفيما يخص إقامة القيم الخلقية على العقل وحده فإنه قد كان موقع هجوم للعديد من الفلاسفة فقد اتهموا العقل بالصورية والشكلية والتعالي عن الواقع، فضلا عن إقصاء الميول والرغبات وفي هذا يقول الفيلسوف الألماني "شوبنهاور" في نقده للأخلاق الكانطية: " لو سلمنا مع أستاذنا بأن الواجب هو ضرورة الخضوع للقانون نكون قد سلمنا معه بقول بعيد عن المعقولية". إذن فلقد بالغ أنصار الاتجاه العقلي في الرفع من شأن العقل وجعلوا أحكامه مطلقة في حين نجد أن السلوك الذي ينبع أحيانا من العاطفة يكون أنبل من العقل، وما دعا إليه كانط مثالي ولا يمكن تكريسه على أرض الواقع، فمن غير الممكن أن نفعل الخير من أجل الخير، ولهذا يقول جون بياجي: "يدا كانط نقيتان لكنه لا يملك يدين". كما أنه لو كانت الأخلاق واحدة ومطلقة لماذا نجد في الواقع الإنساني تعدد القيم الأخلاقية وتنوع معاييرها من ثقافة إلى أخرى؟ كما نجد أن هناك سلوكات مقبولة أخلاقيا في مجتمع ولكنها مرفوضة في مجتمع آخر. من جهة أخرى نجد أن العقل الإنساني ناقص ونسبي وهو يتطور تبعا لتطور الشعوب. لذلك كان ما يعبر عنها من قواعد خلقية في عصر ومجتمع، قد يكون مختلف تماما عما يقترحه من قواعد خلقية في عصر ومجتمع آخر.
لهذا ظهر موقف آخر يعتقد أنصاره أن القيم الخلقية نسبية ومتغيرة من زمن لآخر ومن مكان لآخر، ولعل السبق في القول بأن الأخلاق نسبية يعود للمدرسة اليونانية المعروفة بالسوفسطائية التي اتخذت شعارا يؤكد نسبية المعرفة والقيم على حد سواء وهو أن: "الإنسان مقياس كل شيء"، والقول بالنسبية أيضا مرده إلى أن الفعل الأخلاقي يتمثل في إرضاء الطبيعة البشرية من منطلق أن اللذة والألم هما الكيفيتان اللتان تتحدد وفقهما القيمة الخلقية، فكل ما هو خير فيه لذة وكل ما فيه شر فيه ألم. واللذة نوعان: جسمية وعقلية نفسية، والإنسان يرغب بطبيعته في اللذة ويتجنب الألم، فالفعل الأخلاقي هو الفعل الذي يفضي إلى نتائج سارة، وتعود جذور هذا المذهب إلى المفكر اليوناني أرستيب القورينائي الذي رد القيم الخلقية إلى اللذة، فالخير حسبه ما يحقق لذة والشر ما يحقق ألما إذ يقول: "اللذة هي الخير الأعظم، وأنا مع اللذة وإن جلبت لي العار"، واللذة المقصودة عنده هي لذة الجسد وأقواها إطلاقا لذة البطن وفي هذا يقول:"اللذة هي الخير الأعظم ومقياس القيم جميعا..هذا هو صوت الطبيعة..وما القيود إلا من وضع العرف"، وغير بعيد عن هذا الموقف يعتقد أبيقور الذي عمل على تطوير اللذة إلى المنفعة أن اللذة والألم هما المحركان الأساسيان لكل التصرفات الأخلاقية إذ يقول: "اللذة هي بداية الحياة السعيدة وغايتها القصوى"، لكن اللذات الجسمية غير متشابهة ولا تخلو من الآلام ولذا فهي ليست مصدرا للسعادة، بل السعادة تتحقق في اللذات المعنوية العقلية وفي هذا يقول: " خذ اللذة التي لا يعقبها الألم وتجنب الألم الذي لا يتبعه شيء من اللذات وتجنب اللذة التي تحرمك من لذة أعظم أو يترتب عنها ألم وتقبل الألم الذي يخلصك من ألم أعظم منه "، وفي العصور الحديثة يأخذ جرمي بنتام بمذهب اللذة وقد وضع مقاييس للمنفعة كالشدة (هل اللذة قوية أم ضعيفة)، والمدة (هل اللذة مستمرة أم مؤقتة)، والقرب (هل هي قريبة أم بعيدة)، والامتداد (هل تمتد إلى الجميع)، والخصوبة (هل يكون الخير في الحاضر أم في المستقبل)، والنقاء (هل كل لذة هي لذة صافية أم أنها تمتزج بالألم)، والإنسان بطبيعته يندفع نحو تحقيق منفعته الخاصة، ولهذا قدم بنتام المنفعة الخاصة على العامة. أما جون ستيوارت ميل ورغم اتفاقه مع بنتام في المبادئ لمذهب المنفعة إلى أنه جعل المنفعة العامة أولى من الخاصة، وبذلك تكون الأخلاق بتحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد ممكن من الناس، وبهذا فالمنفعة غاية الأفعال الإنسانية الأخلاقية ومعيارها.
تبع قراءة المقال في اسفل الصفحة على مربع الاجابة