شرح مفصل قصيدة فتح الفتوح لأبي تمام شرح قصيدة السيف أصدق أنباء من الكتب
شرح قصيدة فتح الفتوح لـ أبي تمّام محور الحماسة السنة الرابعة آداب
تحليل وشرح نص فتح الفتوح 4 ثانوي باكالوريا
شرح قصيدة فتح الفتوح
التقديم:
قصيدة فتح الفتوح وردت بديوان أبي تمام وهو أحد شعراء المشرق العربي
في القرن الثالث الهجري وهو أبرز صوت شعري أحيا قيم الجماسة في
الشعر العربي القديم وطورها بأن أخرجها مخرجا جماليا متميزا وقد قيلت
هذه القصيدة في مقام مخصوص هو مقام إقدام الخليفة العباسي المعتصم
على فتح عمورية وثأر من ملكها ( تيوفيل ) الذي كان له أن تجرأ على غزو
زبطرة المدينة الإسلامية التي ولد فيها المعتصم ونشأ .. فعاث فيها تيوفيل
فسادا وقتلا وتدميرا وأسرا وتهجيرا وقد استشار المعتصم بعض المنجمين
المحيطين به غير أنهم دعوه إلى التريث وتأجيل فتح عمورية لأن النجوم لا
تنذر بالخير لحظة الاستشارة الأمر الذي دفع بالخليفة العباسي إلى تجاهل
نصحهم والإقدام على مهاجمة بلاد الروم وهذا ما أشاد به أبو تمام وأثنى
عليه معتبرا السيف في معناه الرمزي هو يرمز للشجاعة والقوة والإقدام
ومواجهة هو المخلص لرد اعتبار الأمة الإسلامية
الموضوع:
يشيد أبو تمام ببطولة “المعتصم” متتبعا أثار حربه في عمو رية متغنيا
بمعاني البطولة والقوة وحسن الأداء و الثأر للأمة الإسلامية من البزنطيين
المقاطع:
تقسيم القصيدة على ثلاثة مقاطع
يمتد المقطع 1 من البيت الاول إلى البيت الخامس وفيه يمجد أبو تمام
فضل القوة مقابل الاستخفاف بالتنجيم. أما المقطع 2 يمتد من البيت 6
إلى البيت 17 ففيه ينادي الشاعر على المجاز يوم الواقعة مظهرا تفرد
المعتصم “بفتح عمورية” يستغرق المقطع بقية أبيات القصيدة وفيه يتوجه
الشاعر بالنداء إلى “الخليفة العباسي” المعتصم مظهرا حسن أدائه العسكري
بتتبع آثاره على مدينة عمورية
التحليل
1- يمجد أبو تمام فضل القوة مقابل الاستخفاف بالتنجيم
عول أبو تمام في المقطع الأول من قصيدته على قالب الجملة الإسمية المحيلة
على الثبات وهو ما يعني أنه يجري تقرير حقائق مطلقة عابرة لقيود الزمان
والمكان وهي حقائق تتصل بتقديم الفعل الحربي مجسما في السيف
ومترادفاته (الصفائح، الأرماح، الحد، الخميسين) على فعل التنجيم
وهذا ماعبرت عنه صيغة التفضيل في البيت الاول: إذ فضل الشاعر السيف
الرامز إلى القوة والفعل والبطولة والإقدام على الكتب وعدم فاعليتها في دفع
الظلم والقهرعنهم وهذا ما جسمته “ثنائية الإثبات والنفي” يثبت الشاعر الفضل
للصفائح والرماح والسفائح والسيوف وينفيه عن الصحائف والكتب وشبه
المنجمين: ففي العلاء من شأن القوة الحربية والتحقير من شأن التنجيم سعيا
إلى تعظيم الممدوح والحط من شأن المنجمين
استمد أبو تمام معظم مفرداته في المقطع الأول من معجمين متعارضين
المعجم الأول:
معجم القوة: السيف- الحد الرماح)· المعجم الثاني: التنجيم
الصحائف الكتب.إن المقابلة بين مسلك القوة ومسلك التنجيم مقابلة عبر عنها
بأكثر من صيغة لعل الطباق بين البياض والسواد إحداهما ذلك أن البياض
مقترنا بالسيوف هو قرين الحياة والطهارة في حين أن السواد المضاف إلى
الصحائف هو رديف الموت والعجز
التزم أبو تمام بتحقيق إيقاعية كلامه وتقوية نغمية من ذلك أنه صرع البيت
المطلع مثلما أفرط في في توظيف أصوات شديدة مجهورة كالدال والباء
الأكثر تواترا من بين سائر الأصوات وهذا الاعتماد من شأنه أن يضفي على
الإيقاع الشعري صلابة وشدة وقوة هي من صلابة فعل المعتصم الحربي
وشدته وقوته وجبروته في مواجهة الأعداء
يبدو الإيقاع الخارجي الإطاري الذي ارتضاه أبو تمام إيقاعا معللا ومبررا
لتناغمه وانسجامه مع مضمونها وهو مضمون ذو نفس
حماسي ملحمي ذلك أن انتهاء الأبيات بصوت الباء رويا يردد سمات القوة
والصلابة والشدة والعنف باعتبار أن صوت الباء إنما هو صوت شفوي
شديد مجهور وينضاف إلى ذلك البنية المقطعية للبحر المعتمد المتمثل في
البسيط التام بنية تغلب عليها المقاطع الطويلة المنغلقة بما
هي مقاطع واسمة للكلام بمياسم الغلظة والشدة والعنف والقوة
يكف الإيقاع الخارجي المرتضى للقصيدة عن كونه اعتباطيا مفصولا عن
المعنى ومعزولا عن النفس الشعري الطاغي ليستحيل إيقاعا مبررا يحاكي
المعنى ويوحي بالدلالة الإيقاع في الشعر الحماسي إيقاع
ينزع في الغالب إلى أن يكون إيقاعا موسوما بالغلظة والصلابة والشدة ذلك
أن غلظته من غلظة الحرب الموصوفة وشدته من شدة فعل الممدوح الحربي:
أما الإيقاع الداخلي فقد تنوعت أساليبه وتعددت مما يدل على نزعة أبي تمام
إلى تطويعه ليكون منسجما مع معاني الحماسة وما تقتضيه من قوة وشدة
وبطولة وعنف وصلابة وبأس لذلك ذهب ولاسيما في البيت المطلع إلى
ترديد الأصوات المتصفة بالجهرية والشدة كالباء والدال وكذا الشأن بالنسبة
إلى المقاطع الأكثر تواترا في نسيج الكلام إذ وهي المقاطع الطويلة المنغلقة
تتواتر الأصوات في المقاطع الأكثر ترددا أو تكرارا بمعاني القوة والشدة وهي
المعاني التي لا يخرج عنها شعر الحماسة باعتباره شعرا مداره على وصف
المعارك والحروب والإشادة ببطولة أبطالها غير أن أبي تمام لم يكتفي بهذين
الإيقاعيين بل عمد إلى إغناء بنية الإيقاع الداخلي بما وجده في البديع اللفظي
من أدوات أسلوبية تعمق نغمية الكلام وتشده دوما إلى الوراء ليصبح شغوفا
بإعادة ذاته وقد نوع في جناسه إذ اعتمد الجناس التام : الحد: طرف السف
الحد: الفاصل والجناس الناقص : الحد والجد كما نوع من الجناس الناقص
فوظف الجناس المقلوب: الصفائح // الصحائف واستخدم جناس الاشتقاق
:فتح الفتوح _ وقد عاضد الجناس في أداء الد, الإيقاعي موسيقى التكرار
بإعادة لفظة (فتح) لقد بالغ أبو تمام وهو يبحث عن جودة منجزه في استدعاء
الأساليب اللغوية بصفة عامة وأساليب الابداعية بصفة خاصة ما يثبت ميله إلى
صناعة الشعر وتكلف فن كتابته غير أن تلك النزعة إلى الصناعة قد أكسبت
شعره طاقة إيقاعية عالية تناغمت مع النفس الحماسي الذي أكسبه الشاعر شعره
غير أن تمكن الصنعة من شعر أبي تمام كان مثار جدل بين النقاد القدامى
الذين عابوا عليه الإفراط في طلب الأساليب الأمر الذي خرج بالشعر من
دائرة الطبع والعفوية إلى دائرة الصنعة والتكلف
إن ما دفع القدامى إلى الارتياب في شعر أبي تمام هو عدم استجابته إلى
توقعاتهم فضلا عن خروجه عن ذوائقهم الجمالية المشدودة إلى الشعر
المطبوع الذي لا تغلب عليه سمات الصنعة والتكلف وقد عبر ابن الجراح
عن ريبته في شعر أبي تمام .. إن أبا تمام يريد الابداع فيخرج إلى المحال
إن ما دفع ابن الجراح إلى الريبة في شعر أبي تمام ليس استخدامه أساليب
البديع بل افراطه في استعمالها والخروج بها عن حدها المعقول
خرج أبو تمام من طلب أساليب البديع في الأبيات الأربعة الأولى إلى طلب
التخييل المجازي المنجز بالاستعارة إذ استعار للسماء صورة الدار فأضاف
إليها أبوابا وقد غيب الدار وصرح بالسماء لتكون بذلك الاستعارة مكنية كما
علق بالأرض أثوابا قشبا والحال أن الأثواب من لوازم المرأة لذلك استعار
صورتها للأرض لتكون الاستعارة مكنية- أظهرت الاستعارة التحول الذي
طرأ على السماء والأرض بفعل إقدام المعتصم على مواجهة الروم وفتح
عمورية ثأرا للمسلمين من ثمة كانت السماء قبل الفتح مغلقة متأثرة بما لحق
الأمم الإسلامية من ذل وهوان في حين استحالت بعده مفتوحة على منجز
المعتصم الحربي وكذا الأمر بالنسبة إلى الأرض التي كانت قبل الواقعة
خانعة منكسرة لكنها سرعان ما استعادت بريقها وحسنها وجمالها بعد الفتح
بفضل الاستعارة استطاع “أبو تمام” أن يظهر أثر فعل الممدوح الحربي في
الكون إذ تحول من حال السوء والانكسار والفساد واختلال التوازن – انغلاق
السماوات – انكسار الأرض وتلوثها إلى حال الخير والبهجة والزينة
والتوازن حتى أن السماوات قد عبرت من الانغلاق إلى الانفتاح مثلما
استعادت الأرض زينتها وحسنها وبهاءها المفقود : : يخرج أبو تمام
المعتصم مخرج البطل الأسطوري الذي استطاع أن يعيد إلى الكون توازنه
المفقود وبهاءه المسلوب وبذلك وجد الشاعر في الاستعارة سبيلا إلى المبالغة
في تعظيم أثر فعل الممدوح على الكون
2- مناداة الشاعر يوم عمورية على المجاز مظهرا تفرد المعتصم بفتح عمورية
انصرف أبو تمام في المقطع الثاني إلى مخاطبة الزمان … يوم وقعة
عمورية المتمثل تحديدا في يوم المعركة على سبيل المعركة والمجاز ذلك أن
الزمان لا ينادى على الحقيقة ومن ثمة عدل به عن معناه الحقيقي بوصفه
مفهوما ذهنيا مجردا إلى معنى له مجازي أصبح في ضوئه كائنا انسانيا
يرهف السمع إلى نداءات الشاعر إلا أن النداء لم يدل على معناه الحقيقي
المتمثل أساسا في التنبيه ولفت النظربمعانب التمجيد والمدح والثناء جعل أبو
تمام يوم الواقعة زمانا نموذجيا مثاليا لأنه الزمان الذي استعاد فيه المسلمون
كرامتهم الضائعة: الاستعارة الثالثة المبنية على الاستعارة الثانية تأسست
على استعارة صورة الناقة التي وصفها بصفة الحافل ** أردف أبو تمام
الاستعارة الثالثة بملائم من ملائمات المشبه به ( الناقة ) معسولة الحلبأفرط
أبو تمام كعادته في استخدام الأدوات الأسلوبية فهو ما إن يستدعي ظاهرة
حتى يفنيها استخداما وتوظيفا وتطويعا فإذا به يصوغ سلسلة من الاستعارات
المرتبة التي يأخذ بعضها برقاب بعض وهو ما من شأنه أن يغمض المعنى
عن القارىء ذلك أن الأستعارة عنده تبدو أخذة في التخلي عن وظائفها
البيانية التقليدية المتمثلة في تقريب المعنى والإبانة عنه بإخراجه من
الغموض إلى الوضوح. وهذا راجع إلى الخروج عن شرط التناسب بين
طرفي الصورة وهو الشرط الذي اشترطه النقاد القدامى وتمسكوا به فلا
تناسب بين الزمان والإنسان اما في الاستعارتين الثانية والثالثة وهو ما يدل
على تعمد أبي تمام الاستخفاف بذلك القيد البياني التقليدي والعمل على الجمع
داخل صوره الشعرية بين أطراف متنافرة غير أن أبا تمام وإن خرج عن
الوظيفة التقليدية للصورة فإنه لم يخرج في مصادرها عن مرجعية تقليدية
ذلك أن النوق وصفاتها من العناصر القارة في الشعر القديم منذ الجاهليةأمكن
لأبي تمام بفضل المقابلة أن يجعل من معركة المعتصم معركة ملحمية تجمع
بين حضارتين هي “حضارة الإسلام” و”حضارة الشرك” وبذلك لم تعد معركة
المعتصم “معركة دنيوية” بل استحالت معركة يخوضها “الإسلام” ضد أعدائه “المشركين” وعلى هذا النحو يسمو أبو تمام بهذه الحرب إلى مصاف
“الحروب الجهادية المقدسة” وبالمقابل أيضا لكل المشركين بأن نزله في
منحدرات الأرض وأسافلها في مقابل ذلك ارتقى بالمسلمين إلى مرتفعات الأرض وأعاليها
لقد جعل أبو تمام يوم الواقعة يوما أسطوريا تاريخيا خرج فيه المسلمون من
الأسافل إلى الأعالي في حين انحط المشركون من الأعالي إلى الأسافل وبهذا
النحو تبدو “معركة المعتصم” ضد المشركين معركة ثأر ورد اعتبار إذ بها
تخلص المسلمون من عارهم وذلهم مستعيدين سموهم ورفعتهم- استطرد أبو
تمام إلى وصف “عمورية” مدينة المشركين مستخدما معجما غزليا وبذلك
يقصد إلى استنبات معجما غزليا موسوما في العادة باللين والرقة والتلطف
والاستلطاف في سياق شعري مشبع بنفس حماسي قوي سماته القوة
والصلابة والقوة .. إن ما يصدم القارئ عدم التناسب بين ما يقتضيه حقل
الغزل من جهة وما يستدعيه حقل الحماسة من جهة ثانية
تابع قراءة المزيد من المعلومات المتعلقة بمقالنا هذا في اسفل الصفحة على مربع الاجابة وهي كالتالي
شرح قصيدة السيف أصدق أنباء من الكتب