تحليل نص جان بول سارتر الإنسان هو صانع تاريخه
جان بول سارتر: "الإنسان هو صانع تاريخه
دور الإنسان في التاريخ مواقف الفلاسفة
دور الإنسان في التاريخ
في موقع الحل المفيد يسرنا بزيارتكم طلاب وطالبات البكلوريا ان نطرح لكم تحليل نص جان بول سارتر الإنسان هو صانع تاريخه
الإجابة الصحيحة هي
جان بول سارتر: "الإنسان هو صانع تاريخه".
يقول عبد الله العروي أن الإنسان يسعى إلى محو التاريخ والتغلب عليه.فإذا اعتبرنا أن التاريخ هو مجموعة من الحقب و الأحداث المتتالية،فإن ذلك يعني إن الإنسان يسعى إلى تجاوز الأحداث والوقائع التاريخية و التحكم فيها وتوجيهها.فهل بإمكان الإنسان تغيير وجهة التاريخ؟.أي هل يمكن الحديث عن الإنسان كصانع للتاريخ وموجه للأحداث والوقائع؟ أم أن الإنسان مجرد منفعل بالأحداث وخاضع للضرورات والحتميات التاريخية؟
يعتبر سارتر في مقدمة نصه أن موقف الماركسية المتعلق بدور الإنسان في صناعة التاريخ يتسم بالتناقض.إن التاريخ بالنسبة للماركسية هو سلسلة من أنماط الإنتاج المتعاقبة بشكل حتمي، فالانتقال من نمط إنتاج إلى آخر يتم حينما تنضج الظروف والشروط الاقتصادية و الاجتماعية، وتصبح ملائمة لذلك. الأمر الذي يناقض القول بان الإنسان يصنع التاريخ كما يقر بذلك انغلز.وبالمقابل ترى الوجودية بان الإنسان هو صانع تاريخه و المتحكم الفعلي في الأحداث والواقع باعتباره يتميز بالوعي والحرية التي تمكنه من تجاوز الإكراه الاجتماعية والاقتصادية.إن الإنسان لا يمكن أن يصبح مجرد آلة توجهها دوافع وقوة خارجة عنها.فحتى إذا كان التاريخ ينفلت من الإنسان الجزئي لايمكن للحدث أو الوقائع إن تنفلت من الإنسان الكل.إن التجاوز لحتميات الواقع خاصية إنسانية.وهذا ما يمكنه من صناعة التاريخ. إن الإنسان من منظور الوجودية مشروع.ومن خصائص هذا الأخير نفي المعطى السابق لما هو موجود و إبداع لمعطى جديد .من خلال ما سلف فان الوجودية تعتبر إن الإنسان هو صانع الحدث التاريخي والموجه الفعلي له. وقد عمل سارتر دفاعا عن الموقف الوجودي على تقسيم نصه إلى لحظتين أساسيتين. سعى خلال اللحظة الأولى إلى دحض الموقف الماركسي.وعمل في اللحظة الثانية على عرض وتقديم وتأكيد موقفه.وبذلك اعتمد سارتر خلال اللحظة الأولى الاستدلال بالخلف إذ قام بالتأكيد على تناقض الموقف الماركسي فيما يتعلق بدور الإنسان في توجيه الأحداث.وقد اظهر ذلك من خلال سؤال استنكاري يستغرب فيه حديث انغلز عن صناعة الإنسان للتاريخ وفي نفس الوقت الحديث عن الشروط المادية و الموضوعيه التي توجه الإنسان.كما وظف سارتر خلال هذه اللحظة كذلك أسلوبي الاستدراك والنفي حيث استدرك بداية الموقف الماركسي بموقفه الخاص من خلال قوله"ولكن الناس هم الذين يصنعون تاريخهم".لينفي بعد ذلك أي دور للشروط المادية في قوله "ليست الشروط الموضوعية السابقة هي التي تصنع التاريخ".وخلال اللحظة الثانية عمل سارتر على عرض وتقديم وشرح موقفه باعتماد عبارات تفيد ذلك )بالنسبة لنا ،وهذا ما نسميه ،والذي نعرفه( واعتمد بعد ذلك أسلوب التوكيد في كثرة في قوله"إن هذه القدرة على التجاوز هي نجرها في أساس كل ما هو إنساني" وقوله"إن حقل الممكنات هو الهدف الذي يقصده العامل لتجاوز وضعية" وفي قوله كذلك "إن الفرد يصنع التاريخ عندما يتجاوز وضعيته".وذلك لتثبيت و تأكيد الموقف الوجودي الذي يعتبر أن الإنسان هو الذي يختار مصيره بكل حرية.
بخلاف ما ذهب إليه سارتر يدافع هيغل عن تصور مفاده أن التاريخ ليس دو تجلي وتجسد تدريجي للروح المطلق (العقل).فالأحداث والوقائع التاريخية تعكس في تسلسلها ضرورة مطلقة لا دخل لإرادات الأفراد واختياراتهم فيها. فحتى أبطال التاريخ والمحركون للأحداث إنما ينفذون ما تمليه الضرورة التي يسير وفقها التاريخ.فهم لم يعملوا إلا على إخراج أفكار العقل من الوجود المضمر إلى الوجود المجسد أو الوجود الفعلي.إن هناك منطق للتطور محدد سلفا ولا تمثل انجازات الإنسان سوى تنفيذا له.من خلال تحليل ومناقشة النص يبدو إن هيغل قد رسم مسارا خاصا لتطور التاريخ، مسار يتلاشى فيه أي دور للإنسان.ويصبح هذا الأخير ليس إلا منفذا لإملاءات "العقل" أو الروح المطلق كما ينعته هيغل.
ورغم كل محاولة الماركسية رد الاعتبار للإنسان إذا اعتبرته صانع التاريخ لكنها اعتبرت كذلك إن هذه الصناعة تتم وفق شروط مادية موضوعية يمكن القول إنها شبيهة بالروح الهيغلي.إن كون الإنسان يتميز بالوعي و الإرادة والعقل يجعلنا ونؤمن بواقعية الطرح الوجودي الذي عبر عنه سارتر في نصه، ولو بشكل نسبي.إن الإنسان بإمكانه الوعي بالشروط المتحكمة في سير الأحداث و بإمكانه وضع مخططات لتجاوز هذه الشروط.فصحيح إن نجاحه في عملية التجاوز قد لا يكون مطلقا لكن لايمكن كذلك أن ننفي هذا النجاح.وهذا ما عبر عنه نيكولا ماكيافيلي في كتابة " الأمير" إذ اعتبر أن توجيه الإنسان للأحداث شبه بالوقوف في وجه نهر جارف.ففي البداية تبدو الأمور مستحيلة لكن شيئا فشيئا ومع تكرار المحاولات يستطيع الناس الحد من قدرته وتوجيه مساره والتحكم فيه.