مفهوم الشخص
المحور الثاني : الشخص بوصفه قيمة
نموذج تطبيقي تحليل ومناقشة نص فلسفي (نص الفيلسوف الألماني إمانويل كانط E.Kant)
سنة ثانية باك
أهلاً بكم طلاب وطالبات الباك 2023 يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم في موقعنا الحل المفيد ما يأتي.المحور الثاني : الشخص بوصفه قيمة نموذج تطبيقي تحليل ومناقشة نص فلسفي (نص الفيلسوف الألماني إمانويل كانط E.Kant)
الإجابة هي
تحليل ومناقشة
الشخص بوصفه قيمة
الفهم
عادة ما يكتسب الأفراد قيمتهم في واقعهم المعيش تبعا لمكانتهم الاجتماعية ووضعيتهم الاقتصادية واعتباراتهم الرمزية. لكن القيمة بهذا المعنى تكون متغيّرة أو على الأقل قابلة للتغيّر باستمرار، تبعا لتغيّر هذه الوضعيات والمحددات الاجتماعية والمادية والرمزية، الأمر الذي لا يفسّر لماذا لا تظل قيمة الإنسان ثابتة مقارنة مع بعض الموجودات الأخرى، وهو ما يدفعنا إلى المقاربة الفلسفية لموضوع "قيمة الشخص" من حيث الدلالة الفلسفية والأبعاد الإشكالية. والنص الذي نحن بصدد تحليله ومناقشته بكل ما يتضمنه من مفارقات وإحراجات يتيح لنا الوقوف على هذه القضية، إذ يتأطر ضمن المجال النظري والإشكالي لمجزوءة "الوضع البشري" بشكل عام، وتحديدا ضمن مفهوم "الشخص" كمفهوم أساسي ومركزي، وعليه يمكن الانطلاق من التساؤلات الإشكالية التالية :
ــ من أين يستمد الشخص قيمته؟ هل في كونه غاية أم وسيلة؟ ما طبيعة قيمة الشخص؟ هل هي قيمة مطلقة وثابتة أم نسبية ومتغيّرة؟ وبأي معنى يمكن القول بأن الشخص الأخلاقي يستمد قيمته من مجال الوجود المشترك وليس مجال الوجود الفردي؟
التحليل
سعيا للإجابة عن هذه التساؤلات الإشكالية الفلسفية يقدم لنا هذا النص، وهو للفيسلوف الألماني إمانويل كانط E.Kant، تصورا أخلاقيا للوجود الإنساني بشكل عام ولقيمة الشخص بشكل خاص، فهو ينطوي على أطروحة أساسية مفادها "أن الشخص يستمد قيمته من العقل الأخلاقي، الذي هو غاية في ذاته له قيمة مطلقة وثابتة تجعله محط احترام وتقدير". وصاحب النص إذ يعرض هذه الأطروحة فهو يستحضر مجموعة من القضايا والأفكار؛ فهو في البداية يتحدث عن الإنسان في عموميته وشموليته وكونيته بوصفه كائن عاقل، أي أن ما يوحِّد البشرية جمعاء هو العقل. والعقل هنا هو بمثابة قاعدة للتشريع الأخلاقي المطلق واللامشروط، تقتضي هذه القاعدة أن نعامل أنفسنا كما الآخرين باعتبارهم غايات وليس وسائل أو أدوات للاستغلال والمصلحة. خاصة وان الإنسان هو أكثر من مجرد موضوع/شيء أو معطى طبيعي، انه أسمى من أن ينحصر في قوانين الطبيعة تكون قيمته مشروطة بما يلبيه من ميولات وما يشبعه من حاجات نسبية ومتغير، بل إنه عضو مشرِّع في مملكة الغايات. وفي الأخير ينتهي "كانط Kant" في النص إلى تمييز صريح وواضح بين الكائن العاقل الذي نسميه "شخصا" والكائن المجرد من العقل الذي نسميه "شيئا" والأساس من هذا التمييز هو أن نلتزم دائما بعدم استغلال الأشخاص سواء كنا نحن (الشخص نفسه) أو الآخرين، وعدم التعامل معهم بمنطق الاستغلال والمصلحة لأن في ذلك "تشييء" وانتقاص فضيع من القيمة وهو ما يفقده كل احترام وتقدير.
واضح إذن أن صاحب النص قد اعتمد مفهومين مركزيين هما "الشخص" و "العقل"؛ فالشخص من وجهة نظر صاحب النص هو كائن عاقل أي ذات واعية تتميز بالإرادة والالتزام والمسؤولية الأخلاقية. أما "العقل" فهو عند كانط Kant عقل أخلاقي عملي أي ضمير أخلاقي يوجِّه صاحبه على أرض الواقع وفق لمبادئ الإرادة الخيِّرة، التي تشتغل وفق مجموعة من القواعد الأخلاقية أبرزها القاعدة التالية: "افعل الفعل بحيث تعامل الإنسانية في شخصك كما في شخص كل إنسان سواك، دائما كغاية. ولا تعامله أبدا كما لو كان مجرد وسيلة". إن القارئ المتفحص لبنية النص الحجاجية واتساقه المنطقي لا يمكنه أبدا أن يغفل أنه مبني على "التقابل" بين أطروحتين تتضمن كل منهما نسقها المفاهيمي المضاد للأخرى، فهناك أطروحة أساسية تعتبر "الشخص غاية، له قيمة مطلقة" وهي التي يتبناها صاحب النص ويدافع عنها، ويظهر ذلك من خلال المؤشرات اللغوية والمنطقية الدالة وأبرزها روابط الإثبات (إن الإنسان ككائن عاقل يوجد كغاية...)، في مقابل أطروحة نقيض تعتبر الشخص مجرد أداة ووسيلة له قيمة نسبية، ونستدل عليها من خلال روابط النفي (ليس كمجرد أداة... ليست لها إلا قيمة مشروطة...). والعلاقة بين الأطروحتين ـ الفكرتين ـ مبنية على النفي والتجاوز والقطيعة.
المناقشة
لقد أسهم صاحب النص (إمانويل كانط E.Kant) إسهاما عظيما في وضع أُسس فلسفية لأخلاق عملية تقوم على "العقل" باعتباره ضمير أخلاقي موجَّه نحو كل كائن عاقل، وهذا ما يمكن اعتباره قيمة نوعية تضفيها أطروحة كان على الوجود وعلى الموجود العاقل. إن نظرة كانط Kant الأخلاقية لقيمة الشخص هي نظرة شمولية وكونية تتعدى كل الاختزالات الفردانية الضيِّقة التي يمكن أن تكون تميزا على أساس اللغة أو الدين أو العرق أو الجنس. فضلا ذلك، يعد هذا التصور واحدا من أهم التصورات الفلسفية التي عالجت إشكالية القيمة في بعديها الوجودي والأخلاقي. لكن، ومع ذلك لا يخلو أي موقف فلسفي من النقد، بما في ذلك الموقف الذي عرضناه، فهو يظل محدودا من حيث هو لا يقدم جوابا شاملا عن الإشكال، ولأنه جعل الفرد الواحد هو المشرِّع في مملكة الغايات، كما أنه لم يتح التعرّف على أهمية الوجود المشترك في تعزيز النور والارتقاء للبشرية.
في إطار مناقشة موقف الفيلسوف الألماني إمانويل كانط E.Kant، والذي يمكن القول انه يتضمن تصورا أخلاقيا، ومن اجل الانفتاح بالإشكال على بعد آخر لا يقل أهمية عن البعد الأول، نستحضر التصور الاجتماعي الذي يتبناه الفيلسوف "جورج غوسدورف G.Gusdorf".
في سياق نفس الإشكال يتبنى غوسدورف Gusdorf أطروحة مفادها "أن الشخص يستمد قيمته من مجاله الاجتماعي ومن وجوده المشترك مع الآخرين، ومن أشكال المشاركة والتضامن، وليس من عزلته ومن النزعة وفردانيته". لقد انطلق غوسدورف Gusdorf من توجيه نقد صريح وواضح لفكرة الاستقلال والعزلة كمصر لقيمة الشخص كما تبنتها فلسفة الذات عند ديكارت Descartes والفلسفة الأخلاقية عند كانطKant وبعض الفلسفات المعاصرة الأخرى، خاصة وأن هذه الفكرة لم تتحقق في الفكر الإنساني إلا في وقت متأخر، عكس فكرة الوجود المشترك التي كان لها الفضل في بقاء المجتمعات الإنسانية وتطور فكرها وأنماط تفكيرها. فالأخلاق الواقعية الملموسة مستمدة من مجال التعايش المشترك الذي يضمن للفرد وللجماعة الكمال الشخصي، أما الاعتقاد بالفر دانية المطلقة كمصدر واحد ووحيد لقيمة الشخص، فهو مجرد وهم يكرِّس الانغلاق والتحيّز بدل الانفتاح والتبادل والمشاركة. يقول جورج غوسدورفG.Gusdorf : "يدرك الشخص الأخلاقي بأنه لا يوجد إلا بالمشاركة.
التركيب
إن أهم ما يميّز هذه القضية (قضية قيمة الشخص) هو تعدد وتشعّب أبعادها الإشكالية وعناصرها المعرفية، لأن فيها يتقاطع الوجودي بالأخلاقي. ولئن كان صاحب النص (إمانويل كانطE.kant ) قد استطاع بفعل حسه الفلسفي والأخلاقي العميق وبنزعته النقدية أن يؤسس لموقف أخلاقي عملي جعل فيه العقل مشرعا أخلاقيا مطلقا وشاملا، هو مصدر قيمة الشخص الذي يجعله غاية في ذاته، وهو بذلك يُحدث قطيعة مع التصورات النفعية، فإن جورج غوسدورفG.Gusdorf سيضفي على الإشكال بعدا اجتماعيا محضا حينما يعتبر أن قيمة الشخص ومعه قيمة البشرية جمعاء تتجلى في الوجود المشترك ووتُستمد من أشكال التضامن والتعايش بين الناس، مادام العالم واحد. ها هنا نجد أنفسنا أمام واحد من أهم رهانات الفلسفة والوجود الإنساني ككل، رهان يرمي تكريس مبادئ تعطي قيمة للشخص ومعه للوجود الإنساني، قيمة تتجاوز المعطيات الطبيعية وتنظر للإنسان بوصفه كائن عاقل من جهة واجتماعي تشاركي من جهة أخرى.