تحليل نص الذاكرة و المجتمع ص 46 للسنة الثالثة ثانوي اداب
الإجابة هي كالتالي
تحليل نص فلسفي
الذاكرة والمجتمع
صاحب النص موريس هالفاكس
عندما نرى الأشياء فإننا في نفس الوقت نتصور الكيفية التي يمكن أن يراها بها الغير ، فإذا ما خرجنا عن ذواتنا فليس ذلك للاندماج مع الأشياء ، بل بالنظر إليها من وجهة نظر الآخرين ، ولا يمكن هذا إلا لأننا نذكر العلاقات التي كوناها معهم . فليس هناك إذن ذكرى يمكن أن نقول عنها إنها خارجية محضة (أي لا يمكن الاحتفاظ بها إلا في ذاكرة فردية) وفعلا ما دامت الذكرى تعيد إدراكا جماعيا ، فإنها في حد ذاتها لا يمكن أن تكون إلا جماعية ، ويكون من غير الممكن للفرد المقتصر على قواه فقط أن يتصور من جديد ما لم يتمكن من تصوره أول مرة إلا بالاعتماد على فكر زمرته (...) .
فنحن لا نستطيع أن نتذكر إلا شريطة أن نعثر في أطر الذاكرة الجماعية على مكان للحوادث الماضية التي تهمنا والذكرى تكون غنية بمقدار ما تنبعث في نقطة التقاء اكبر عدد من هذه الأطر التي بالفعل تتصالب ويغطي بعضها بعض الآخر جزئيا ، ويفسر النسيان باختفاء هذه الأطر ، أو قسم منها ، سواء كان انتباهنا غير قادر على الانجذاب نحوها أو كان منجذبا نحو شيء آخر ؛ غير أن النسيان أو تشويه البعض من ذكرياتنا يفسر أيضا بكون هذه الشاطر تتغير من مدة إلى أخرى ؛ فالمجتمع تبعا للظروف والأزمنة التي يتصور الماضي بكيفية مختلفة فهو يغير اصطلاحاته (...).
إذن : فإنه يجب العدول عن الفكرة القائلة بأن الماضي يحفظ كما هو في الذاكرة الفردية ، كما لو كان له عدد من النسخ المتمايزة مماثل لعدد من الأفراد .إن الناس الذين يحيون حياة اجتماعية يستعملون كلمات يفهمون معناها وهذا هو شرط الفكر الجماعي ، غير أن كل كلمة مفهومة تصحبها ذكريات ، وليس هناك ذكريات لا يمكن أن نطابقها بكلمات إننا ننطق بذكرياتنا قبل استحضارها ، إن اللغة وجملة من الاصطلاحات الاجتماعية التي يمكن أن تدعمها هي التي تمكننا في كل لحظة من إعادة بناء ماضينا .
* (1839-1916) : عالم اجتماعي فرنسي ، من ابرز مؤلفاته : الأطر الاجتماعية للذاكرة المورفولوجيا الاجتماعية ، الذاكرة الجماعية.
الجزء الثاني
تحليل نص فلسفي
الذاكرة والمجتمع
شرح وتحليل عبارات النص :
مادامت الذكرى تعيد إدراكا جماعيا : أي أن عمل الذاكرة استرجاع حوادث ماضية عاشها جملة من الأفراد.
لا يمكن الاحتفاظ بها إلا في ذاكرة فردية : ردا على ما ذهب إليه (ريبو) و(برغسون) .
اطر الذاكرة الجماعية : مجموعة العادات والتقاليد والقيم والمبادئ والأعراف ، التي يقوم عليها مجتمع ما.
هذه الاطر التي بالفعل تتصالب : أي تتشابه وتتداخل مع بعضها البعض.
النسيان أو تشويه البعض (...): يقصد منها الكاتب أن السبب الذي يمنعنا من استحضار ذكرياتنا الماضية هو التغير الحاصل في هذه الأطر ، وأحيانا أخرى فقدان جزء منها .
فالمجتمع تبعا للظروف (...) يغير اصطلاحاته : أي يغير جملة من العادات والتقاليد التي قام عليها بفعل التطور والتقدم الحضاري، حيث تصبح تلك المبادئ لا تتماشى وعقلية الحاضر.
ليس هناك ذكريات لا يمكن أن نطابقها بكلمات : يبين الكاتب دور اللغة في نقل ذكرياتنا واستحضارها فالذكريات لا يمكن أن نعيد بناءها في غياب الله ، لان اللغة خادمة للفكر.
الفكرة العامة دور المجتمع في حفظ وإعادة بناء ذكريات الأفراد
إشكالية النص هل يمكن للذاكرة أن تكون من طبيعة اجتماعية ؟
تحديد وتعليق المشكلة التي يحتمل أن يكون النص معالجا لها :
يقوم الإنسان بمجموعة من العمليات العقلية لأجل التكيف مع العالم الخارجي ، ومن بين هذه العمليات نجد الذاكرة التي تعرف في اصطلاحات الفلاسفة على أنها :" وظيفة تعمل على حفظ الخبرات الماضية ، واسترجاعها وقت الحاجة غير أن الاختلاف بينهم كان حول طبيعة هذا الحفظ والاسترجاع ، إذ بجملة الفلاسفة يؤكدون على أن الذاكرة لا تكون من حيث هي إلا في إطار اجتماعي ، فالفرد لا يتذكر إلا بوجود جماعة تساعده على ذلك ، في حين ذهبت جملة أخرى إلى ابعد من ذلك حيث يرفضون جعل الذاكرة من طبيعة اجتماعية ، وفي ظل هذا النقاش الفلسفي البارز يأتي صاحب النص وعالم الاجتماع الفرنسي (موريس هالفاكس) واضعا نصه هذا في إطار مبحث المعرفة ، معالجا المشكلة القائلة :
هل يمكن للذاكرة أن تكون من طبيعة اجتماعية ؟
الجزء الثالث من تحليل نص الذاكرة والمجتمع
تحليل محتوى النص:
الموقف :
يرى (موريس هالفاكس) أنه يمكن للذاكرة أن تكون اجتماعية ، بل ويؤكد أن الذاكرة لا يمكنها أن تكون إلا من طبيعة اجتماعية ، فالفرد لا يتذكر إلا في إطار المجتمع ، لهذا فإنها القول بفردانية الذاكرة أمر غير ممكن فمن الخطأ إذن قولنا آن الأفراد يحتفظن ويسترجعون ذكرياتهم فرديا بعيدا عن المجتمع .
الحجج :
استعمل (هالفاكس) جملة من الحجج للتدليل على موقفه.
الذاكرة جماعية لان :
الإنسان عندما يرى الأشياء أو يتعامل معها فهو يتعالم معه من وجهة نظر الآخرين ،فهو اجتماعي بطبعه أو بتعبير الفيلسوف اليوناني (ارسطو) :" الإنسان مدني بالطبع" ، وتبعا لذلك فذاكرة الأفراد تساعد بعضها بعضا قال (هالفاكس) في مقام آخر :" عندما أتذكر فإن الغير هو الذي يدفعني لذلك ، لان ذاكرته تساعد ذاكرتي وذاكرته تعتمد على ذاكرتي".
كلما زاد عدد الأفراد داخل المجتمع ، كلما التقوا في اكبر قدر ممكن من الأطر ، وذلك من شأنه أن يزيد في قوة حفظ واسترجاع الذكريات ، كما يحصل في الاحتفالات الدينية والأعياد الوطنية .
ما يعرف على المجتمع انه يتطور ويتقدم ، تماشيا مع معطيات العصر ، مما يدفعه إلى التخلي عن جملة من العادات والتقاليد أي جملة من الأطر الاجتماعية ، وهذا ما نفسر به نسيان الذكريات ، أو فقدان جزئي لها.
تمثل اللغة ظاهرة اجتماعية أساسية لا يمكن للمجتمع آن يقوم إلا بها ، وباعتبار اللغة أساس الفكر ، لأنه كما يؤكد (موريس ميرلولونتي) اللغة حاملة للفكر، والفكر من هذا لا يستطيع أن يوجد خارجها، يقول في ذلك : "إن الفكر لا يوجد خارج الكلمات" ، وباعتبار الذاكرة نشاط من نشاطات الفكر ، فإن اللغة تساهم في استحضار ذكرياتنا آو بتعبير صاحب النص :" وليس هناك ذكريات لا يمكن أن نطابقها بكلمات إننا ننطق بذكرياتنا قبل استحضارها إن اللغة وجملة من الاصطلاحات الاجتماعية التي يمكن أن تدعمها هي التي تمكننا في كل لحظة من إعادة بناء ماضينا".
تقييم :
حاول صاحب النص آن يبين الأثر الكبير للمجتمع في تثبيت واستحضار ذكرياتنا ، لان الفرد لا يستطيع آن يعيش بمعزل عن المجتمع ، ولأنه كلما زاد اشتراك الأفراد في جملة من المبادئ كلما اتسع حفظ واسترجاع ذكريات الأفراد.
نقد :
لو كانت الذاكرة من طبيعة جماعية ، بما نفسر اختلاف الذاكرة من فرد آخر ، بل وبما نفسر استرجاع الذاكرة الواحدة بين فردين مختلفا بصورة كبيرة ؟
يرفض الاتجاه الفيزيولوجي ، والنفسي ربط الذكريات بكل ما هو اجتماعي .
الاتجاه الفيزيولوجي:
بزعامة (ريبو) يؤكد أن الذكريات من طبيعة فردية مادية ، فالذكريات تخزن في الدماغ كما تخزن الموسيقى في الاسطوانة إذن فالذاكرة وظيفة عامة للجهاز العصبي ، وان أي تلف يصيب الدماغ يؤدي إلى فقدان كلي او جزئي للذكريات.
الاتجاه النفسي:
بزعامة (هنري برغسون) يؤكد ان الذاكرة ديمومة شعورية ، وأن إصابة الإنسان بمرض نفسي يؤدي إلى فقدان الذكريات.
بناء راي شخصي :
إن الذاكرة هي بالدرجة الأولى وظيفة تتعلق بنشاط الفكر ، وما دامت كذلك فإنها تخص الإنسان باعتباره الحيوان الوحيد المفكر ، هذا الإنسان عبارة عن كل متداخل معقد التراكيب ، تتداخل فيه جملة المعطيات ، وتبعا لذلك ستكون الذاكرة بنفس الصورة أنها حصيلة ما هو نفسي ، حيث يحيا الإنسان ذكرياته ويعيشها من نفسه ، يحتاج على دماغ يساعده على التخزين ولا يستطيع أن يجد مساحة لذلك إلا داخل مجتمع يساعده على تركيب ذكرياته .
حل المشكلة :
وكمخرج من هذا التعارض نقول: الذاكرة فيها ما هو مخزون في الدماغ ، ولها من الروحانية مالها ، ولا يمكننا تصور وجود ذكريات دون وجود جماعة من الأفراد الذين بفضلهم تنشأ كل ذكرى .