المنهج البنيوي: نص تطبيقي
تحليل نصي لقصيدة “الليل والفرسان” / عبدالله شريق
سنة 2 ثانوي
لغة عربية للسنة الثانية ثانوي اداب وعلوم انسانية
هلاً بكم طلاب وطالبات في موقع الحل المفيد الموقع الإلكتروني التعليمي يسرنا أن نطرح بين يديكم إجابة السؤال القائل المنهج البنيوي: نص تطبيقي تحليل نصي لقصيدة الليل والفرسان عبدالله شريق سنة 2 ثانوي
وتكون اجابتة الصحية والنموذجية للسؤال هي
المنهج البنيوي: نص تطبيقي
تحليل نصي لقصيدة “الليل والفرسان” / عبدالله شريق
ظهرت البنيوية في منتصف العقد الثاني من القرن 20 في مجال الدراسات اللغوية مع رائدها "فيرديناند دوسوسير"؛ حيث أحدثت قطيعة مع المناهج القديمة في تحليل اللغة ودراستها، واصطنعت أدوات ومفاهيم جديدة، واتخذت اللغة موضوعا لاشتغالها؛ حيث تدرسها في ذاتها ولذاتها، أي كبنية مغلقة من دون اعتبارات خارجية؛ كظروف نشأتها وعلاقتها بالظواهر الاجتماعية والتاريخية. لقد ركز البنيويون في بحثهم في مجال الأدب على الأنظمة اللغوية ومدلولاتها الأدبية، والشيء الذي يجمعهم في نظرتهم إلى الأدب هو دفاعهم عن خصوصية الأدب واستقلاله بموضوعه ومادته اللغوية؛ حيث يشكل قيمة في حد ذاته بفضل التفاعل بين علاقات عناصره ومستوياته اللغوية، وكلها مكونات داخلية للنص الأدبي يسعى البنيويون إلى تحليلها تحليلا لغويا، للكشف عن خصوصية الإبداع الأدبي من شكله ومحتواه الفني الداخلي، مع إهمال مصدره وظروفه وبيئته. وأول من طبق البنيوية اللسانية على النص الأدبي في النقد الغربي، نذكر: ياكبسون، كلود ليفي ستراوس، غريماس، وفي العالم العربي، نذكر: محمد مفتاح، عبد الفتاح كليطو، سعيد يقطين، حسن الواد، كمال أبو ديب، محمد برادة، وعبد الله شريق، ويعد هذا الأخير من أبرز رواد المنهج البنيوي في المغرب، وله العديد من الدراسات النقدية في هذا المجال، من بينها كتاب "في حداثة النص الشعري ( مقاربات)" الذي اقتطف منه النص النقدي الذي بين أيدينا، (تحليل نصي لقصيدة الليل والفرسان).
وإذا تأملنا عنوانه نجده يحيل على عنصرين. فهو يشير من جهة إلى موضوع الدراسة، وهو قصيدة “الليل و الفرسان ” ويبين من جهة أخرى نوع الدراسة التي سيعتمدها وهي التحليل النصي البنيوي. فما هي الخلاصات التي انتهى إليها الناقد في دراسته البنيوية للقصيدة؟ وما نوعية الأساليب الاستدلالية التي وظفها الناقد في بناء نصه وعرض أفكاره؟ وهل حافظ الناقد على اتساق نصه وانسجامه؟
لقد عمد عبد الله شريق إلى تحليل قصيدة ” الليل والفرسان ” لحسين القمري تحليلا بنيويا من خلال دراسة مستوياتها الإيقاعية والمعجمية والتركيبية والبلاغية. فبدأ تحليله للقصيدة بطرح فرضية مفادها أن الشاعر حسن القمري يقدم صورة عن الواقع المظلم للمجتمع العربي المعاصر، وهو واقع يتميز بالاستكانة والخنوع وغياب قيم العدل والخير والبطولة، وقد استدل على حقيقة هذه الفرضية بدراسة مجموعة من المستويات اللغوية، نبرزها على الشكل التالي:
* المستوى الإيقاعي: وظف الشاعر إيقاع بحر الكامل الذي وسم القصيدة بالرتابة والهمود والتكرار.
* المستوى المعجمي: ألفاظ القصيدة تتميز بالتكرار والتقابل والتضاد والترادف، مع سيطرة جو الظلام واللون الأسود بأبعادهما الرمزية.
* المستوى التركيبي: هيمنة الجمل الفعلية والخبرية القصيرة والأفعال المضارعة الدالة على الحاضر والمسندة لضمير الغائب الذي يعود على الليل بنسبة كبيرة وعلى الفرسان بنسبة أقل.
* مستوى بنية الصورة و تركيبها: فقد هيمنت صورة الليل على القصيدة كلها، ومنها تفرعت صور جزئية أخرى.
وقد انتهى الناقد في آخر النص إلى تأكيد فرضيته السابقة، باعتبار القصيدة كشفا لرؤيا الشاعر نحو واقع عربي متأزم، تتجاذبه ثنائيتا الحياة والموت.
ولقد اعتمد الناقد عبدالله شريق المنهج البنيوي في تحليل قصيدة ” الليل والفرسان ” للشاعر حسين القمري، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال طبيعة المعجم الذي اعتمده، حيث توسل الناقد بجهاز من المفاهيم والمصطلحات، والتي تأخذ مرجعتيها من علوم اللغة المختلفة، وأمثلة ذلك نجد (البنية، المستوى الإيقاعي، تفعيلة، المعجمي، الصوتية، حقول دلالية، ألفاظها، التكرار، الترادف، رمزية، الجملة الفعلية، أفعال الماضي...)
والمنهج البنيوي كما هو معروف، يختلف عن باقي المناهج النقدية الأخرى من حيث طريقة اشتغاله على النصوص الأدبية، بتركيزه على شكل النص الأدبي ومكوناته الداخلية في معزل تام عن ظروفه الخارجية، وهذا ما نجده في هذه الدراسة. فالناقد اعتبر القصيدة بنية مغلقة فقام بتفكيك عدد من مستوياتها الداخلية، كالمستوى الإيقاعي، والمستوى المعجمي، والمستوى التركيبي، بالإضافة إلى مستوى بنية الصورة، وبعد ذلك استنتج من تحليله ذاك أن النص يحيل على الواقع العربي المتردي المظلم. كل ذلك قام به الناقد وهو داخل النص، بحيث لم يشر إلى أي عنصر في الخارج.
إن الناقد عبد الله شريق في بناء نصه وعرض أفكاره، اتبع خطوات منهجية مضبوطة، حافظ من خلالها على تماسك قراءته النقدية؛ حيث وظف المنهج الاستنباطي، فانطلق بموجبه من مبدأ عام، حيث بدأ بالحكم الافتراضي، لينتقل بعد ذلك إلى دراسة النص وتفكيك مستوياته اللغوية المختلفة، ليصل في الأخير إلى تأكيد الحكم السابق.
ولجعل النص أكثر وضوحا وإقناعا، استعان الناقد بأساليب حجاجية، أسعفته كثيرا في بسط أفكاره، وتقلبيها شرحا وتفصيلا، والبرهنة والاستدلال على صحتها. هذه الأساليب، نميز فيها بين ما يلي:
* أسلوب التعريف: حيث عرف بحر الكامل (الكامل الذي وصف من طرف بعض المحدثين بالرتابة والتكرار والهمود، وملاءمته لموضوع الحزن والماسي)
* أسلوب التمثيل: التمثيل للمستويات اللغوية المدروسة في القصيدة (الإيقاعية والمعجمية والتركيبية والبلاغية)، وعناصرها (الجملة الفعلية والخبرية القصيرة، أفعال الماضي، والجمل الإنشائية، أفعال المضارع، تفعيلة الكامل، القوافي المتناظرة والمتشابهة...)، والتمثيل بكثير من الأبيات الشعرية المقتطفة من القصيدة.
* أسلوب المقارنة: حيث يقارن الناقد بين القطبين المهيمنين في القصيدة المدروسة "الليل" و"الفرسان" (...فهي تقوم على بنية صراع وتضاد بين قطبين هما: الليل والفرسان...)
* أسلوب الوصف: أو أسلوب التقسيم، حيث يصف الناقد مستويات التحليل في القصيدة المدروسة.
لقد أسعفت هذه الأساليب الناقد في توضيح، وشرح المستويات اللغوية المدرسة في القصيدة، والبرهنة والاستدلال على صحة الفرضية التي انطلق منها وانتهى إليها، والتأكيد على صحة آرائه النقدية التي توصل إليها.
من جانب آخر، يمكن القول إن الكاتب عبد الله شريق، قد التمس في دراسته البنيوية لقصيدة "الليل والفرسان"، مجموعة من الوسائل اللغوية لتحقيق اتساق نصه، وإحكام الربط بين جمله وفقراته؛ كالإحالة بأنواعها المختلفة، بواسطة الضمائر وأسماء الإشارة، والتي منها ما يحيل على عناصر سابقة في النص (مختلف أسطر القصيدة ومقاطعها...)، أو عناصر لاحقة (هذه الصورة،...هي صورة الليل ككائن...)، وهي "إحالة نصية"، أو تحيل على عناصر خارج النص "إحالة مقامية"؛ من خلال ضمير المتكلم/ أو المخاطب( وهكذا نلاحظ)، ثم هناك الوصل، سواء ما يقوم منه على الربط التماثلي(أي، الواو، الفاء، أو، مع، إلى جانب، كما...)، أو ما يقوم منه على الربط العكسي (غير أن، بل، لا، لكن، ليس...)، أو الربط السببي (إن، أما، وقد، لذلك، وبهذا، وبذلك، من أجل...). ثم هناك كذلك الاتساق المعجمي، سواء القائم منه على التكرار (تفعيلة، الإيقاع، الهمود، القصيدة، الليل، الفرسان، أفعال، القصيرة، الصور...)، أو القائم منه على التضام، كخلق علاقة تعارض بين عنصرين (الصمت÷ الحركة، الحزن÷ الفرح، الترادف÷ التضاد، القديمة÷ المعاصرة...). كما توسل الناقد أيضا بلغة تقريرية نظرا لطبيعة الموضوع الذي يتطلب لغة تنحو نحو البساطة والوضوح والإقناع. ومن سمات هذه اللغة التقريرية في النص المبالغة في توظيف الجمل الخبرية الطويلة، وهيمنة ضمير الغائب، واعتماد أساليب حجاجية متنوعة، والابتعاد عن توظيف ألوان المجاز وضروبه. هذه اللغة التقريرية أسعفت الناقد في دراسته للقصيدة، والبرهنة على فرضيته التي انطلق منها.
كما أن النص منسجم الأفكار، ومن مظاهر هذا الانسجام أن القارئ يستحضر عددا من معارفه الخلفية، مثل معرفته بالمناهج والمقاربات والفروق بينهما، كما يستحضر مدونة المنهج البنيوي. كل هذا يساعده على تحديد بنية النص الكبرى، وهي قيام الناقد بدراسة قصيدة "الليل والفرسان " من خلال تفكيك مستوياتها المختلفة، كما أن سياق هذا النص المتمثل في المناهج النقدية ساعد القارئ على فهم النص وتأويله، بالإضافة إلى مبدأ التأويل المحلي، إذ ارتبطت عملية الفهم بقصيدة واحدة وبمستويات محددة بحيث أصبح التأويل محدودا.
نصل أخير إلى أن الناقد عبد الله شريق، في دراسته لقصيدة الليل والفرسان قد اعتمد المنهج البنيوي دون غيره والذي أسعفه في تحليل مستويات القصيدة اللغوية، والبرهنة فرضيته التي انطلق منها، متسلحا في ذلك بمعجم نقدي متنوع، ومعتمدا المنهج الاستنباطي الذي يسر له الانتقال من فكرة لأخرى، ومن المبدإ العام إلى الأفكار الجزئية. كما اعتمد أساليب حجاجية متنوعة؛ كالتعريف والتمثيل والمقارنة والوصف، استطاع من خلالها التدقيق في دراسته شرحا وتبسيطا، والبرهنة على صحة النتائج التي توصل إليها، ولزيادة البعد التفسيري والحجاجي وضوحا، وظف الكاتب لغة تقريرية مباشرة تعتمد اللفظ البسيط والمعنى الواضح. كما حرص على إضفاء طابع الانسجام والتماسك على أفكار النص وجمله وفقراته؛ من خلال توظيفه مجموعة من الروابط الحجاجية، ووسائل اتساق أخرى؛ كالإحالة والوصل والاتساق المعجمي. ويمكن القول أخيرا إن المنهج البنيوي، يعد من أبرز المناهج النقدية الرائدة في الدراسة اللغوية للنصوص الأدبية؛ في سعيه لتحليل بنيتها الفنية الجمالية، والكشف عن أثرها الذي تحدثه في المتلقي.
.