0 تصويتات
في تصنيف حلول مناهج التعليم بواسطة

إحـــيـــاء الــنــمــوذج

تحليل قصيدة "نهج البردة" لأحمد شوقي

سنة 2 ثانوي 

لغة عربية للسنة الثانية ثانوي اداب وعلوم انسانية 

هلاً بكم طلاب وطالبات في موقع الحل المفيد الموقع الإلكتروني التعليمي يسرنا أن نطرح بين يديكم إجابة السؤال القائل تحليل قصيدة "نهج البردة" لأحمد شوقي

وتكون اجابتة الصحية والنموذجية للسؤال هي 

إحـــيـــاء الــنــمــوذج

تحليل قصيدة "نهج البردة" لأحمد شوقي

      عرف العالم العربي في مستهل القرن التاسع عشر نهضة مست جوانب الحياة السياسية والاجتماعية وكذلك الأدبية. كان من وراء ذلك عوامل عدة، يأتي في مقدمتها: الاتصال الحضاري بالغرب عن طريق حملة نابليون الفرنسية، وما رافق ذلك من بعثات علمية إلى أوربا، وظهور الصحافة والطباعة، ونشاط الترجمة. وفي هذا السياق دعا قسم كبير من المفكرين والأدباء العرب إلى العودة إلى الماضي، وإحياء النموذج الشعري القديم، والاقتداء بخصائصه ومقوماته الفنية، حتى يستعيد الشعر الحالي عافيته، ويتجاوز مرحلة الإسفاف والابتذال التي عرفها. وقد انبرى لهذا الغرض شعراء كبار أمثال البارودي، ومعروف الرصافي، وعلال الفاسي، وأحمد شوقي(1868-1932).هذا الأخير الذي استحق بجدارة لقب أمير الشعراء؛ لكونه أعاد الشعر إلى ينابيعه الأولى بعد كبوته، فاستعاد الشعر معه جزالته وقوته. انفتح على روح العصر، فتشرب قضاياه الوطنية والقومية. وقصيدته التي بين أيدينا"نهج البردة"، هي صورة طبق الأصل لقصائد شعر البعث والإحياء. ومن خلال عنوانها، والبيت الثاني عشر، نفترض أنها بمثابة معارضة فنية لقصيدة البوصيري. نظم على منوالها؛ من حيث الوزن والقافية والروي، وطبيعة الموضوع الذي يدور حول مدح الرسول(صلى الله عليه وسلم). فإلى أي حد وفق أحمد شوقي في تمثل تقاليد النموذج الشعري القديم في قصيدته؟ وما هي سمات قصيدته الدلالية، وخصائصها الفنية؟

       إن قراءتنا التحليلية لأبيات القصيدة، أسعفتنا في تحديد موضوعها الأساس الذي يدور حول مدح الرسول صلى الله عليه وسلم. وبالعودة إلى أجزائها، نجدها تقوم على ظاهرة تعدد الأغراض؛ إذ استهلها الشاعر على غرار الشعراء القدماء بمقدمة غزلية(من البيت الأول إلى البيت الرابع)، وصف فيها معاناته الوجدانية جراء دلال محبوبته، وصدودها عنه. إلا أن الشاعر لم يأبه لهذا الحب المادي الزائف، فتنصل منه. وانتقل بعدها إلى ذم الدنيا الزائلة والنفس الطامعة الغارقة في ملذاتها وشهواتها، داعيا إلى تقويمها بالأخلاق الحسنة، وتهذيبها بالفضائل(من البيت الخامس إلى البيت الحادي عشر). ولأن الشاعر في بحث عن صلاح أحواله والخلاص من ذنوبه، فقد كان رسول عليه (الصلاة والسلام) نوره الذي يستضيء به، وشفيعه من ذنوبه، فولج بذلك الغرض الرئيس في قصيدته(من البيت الثاني عشر إلى البيت الثامن عشر)؛ حيث مدح سيد الأنام(عليه الصلاة والسلام)، وتغنى بأخلاقه وصفاته. ليختم الشاعر قصيدته(الأبيات الأخيرة)بالصلاة والسلام على النبي وآله وصحابته، والدعاء للمسلمين بالفضل، ورفع الذل عنهم، وحسن الخاتمة لهم. 

     بعد هذه القراءة التحليلية لمضامين القصيدة، نستنتج أن الشاعر قد اعتمد على ظاهرة تعدد الأغراض على غرار الشعراء القدامى، وأحسن التخلص من غرض لآخر، وتغنى بالقيم الأخلاقية المتمثلة في شخص الرسول(عليه الصلاة والسلام). وهذا ما يمكننا توضيحه من خلال استقراء معجم القصيدة الذي تدور غالبية ألفاظه في إطار مدح الرسول(عليه الصلاة والسلام)، والتغني بالقيم الدينية، وألفاظ أخرى، تعكس وجدانية الشاعر وانفعالاته.

-حقل الشاعر: أحل سفك دمي – حدثتني النفس – يا ويح جنبك – جحدتها – كتمت السهم في كبدي – جرح الأحبة عندي غير ذي ألم – يانفس دنياك تخفي كل مبكية – ياويلتاه لنفسي – هامت على أثر اللذات...

-الحقل الديني: الأشهر الحرم- مسودة الصحف – الأخلاق - الغفران- خير معتصم - النبي- الآيات – حكيم غير منصرم – نزيل عرشك...

-الحقل المدحي: محمد صفوة الباري – رحمته- بغية الله من خلق – سناؤه وسناء الشمس طالعة – البدر دونك في حسن وفي شرف- البحر دونك في خير وفي كرم –الليث دونك بأسا - بيض الوجوه- شم الأنوف...

     إن حضور الألفاظ ذات الطابع الديني طاغ على القصيدة، بالمقارنة مع الألفاظ ذات الحمولة الوجدانية الغزلية؛ فحب الشاعر للرسول صلى الله عليه وسلم، يغنيه عن حب الشهوات والتفاني فيها. وتبقى هذه الألفاظ تراثية استلهمها الشاعر من المعجم الشعري القديم(الأجم، الجؤذر، البان، العلم...).

     وبغرض الزيادة في توضيح المعنى، وتكثيف دلالات القصيدة، توسل الشاعر بصور فنية تقليدية، تقوم على التشبيه والاستعارة والكناية. نوضح ذلك على الشكل الآتي:

 * التشبيه: ورد التشبيه في كثير من أبيات القصيدة، ففي البيت الثالث عشر يشبه أحمد شوقي الرسول(عليه الصلاة والسلام) بالشمس الطالعة في علو مكانته ونوره(سناؤه وسناه الشمس طالعة)، ويشبهه في البيت السادس عشر بالبدر في حسنه وشرفه، وبالبحر في كرمه وخيره(البدر دونك في حسن وفي شرف، والبحر دونك في خير وفي كرم)، ويشبهه في البيت الثامن عشر بالليث في بأسه وشدته(الليث دونك بأسا).

*الاستعارة: وردت الاستعارة في البيتين الأول والثاني(ريم على القاع بين البان والعلم/رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا)؛ حيث يشبه الشاعر محبوبته بالريم تارة، وبالجؤذر تارة أخرى في جمالها ورقتها، كما يشبه نفسه بالأسد في شجاعته. فالاستعارة هنا تصريحية؛ لكونه اكتفى بذكر المشبه به(الجؤذر، الريم، الأسد)دون المشبه(المحبوبة، والشاعر).

*الكناية: ترد الكناية بقوة في البيت الواحد والعشرين(بيض الوجوه/شم الأنوف)؛ حيث مدح الشاعر أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فوصفهم بكونهم بيض الوجوه كناية على أنهم قوم يتفاءل بهم ويسعد بلقائهم، كما وصفهم بشم الأنوف كناية على أنهم قوم ذوو رفعة وشرف.

     هذه الصور الفنية تبقى تقليدية في مجملها، استلهمها الشاعر من التراث الشعري القديم، كما أنها حسية تنحو نحو تجسيد الأشياء والمعاني في قالب حسي مادي.

     أما على مستوى الأساليب، فنجد الشاعر يزاوج في قصيدته بين الأسلوبين الخبري والإنشائي، مع هيمنة واضحة للأسلوب الخبري؛ فالشاعر أراد من خلاله الإخبار عن معاناته العاطفية، وتقرير صفات الرسول(عليه الصلاة والسلام) في ذهن المخاطب. أما الأسلوب الإنشائي، فيبقى توظيفه ضعيفا؛ صيغه تتراوح بين الأمر(صل، الطف، اهد...)، والنهي(لاتسم، لا تزد)اللذين خرجا إلى الدلالة على الدعاء، والنداء(يانفس،)الذي يفيد الردع والزجر. وفي إطار هذه الأساليب، نجد أن الجمل الفعلية ترد في الوحدتين الأولى والثانية، وهي تبرز تقلبات الشاعر والحيرة التي يعيشها بين حب يدمي قلبه، ورغبة في نسيانه والتنصل منه بإصلاح نفسه وتقويمها بالأخلاق والفضائل. أما الجمل الاسمية فوردت في الوحدة الثالثة، وهي تبرز بجلاء أخلاق وصفات الرسول عليه الصلاة والسلام الثابتة فيه والراسخة والتي صارت نورا يقتدي به المسلمون في كل زمان ومكان. أما عن زمن الأفعال، فتقاسمته أفعال الماضي(أحل، رمى، كتمت، جل...)وأفعال الحاضر(يبكي، تطلب، تخفي، يفنى...)وأفعال الأمر(اهد، الطف، قوم...). فالشاعر مزج بين كل هذه الأفعال دلالة على أن أخلاق الرسول(عليه الصلاة والسلام)، وصفاته خالدة لا تفنى، وأن تطهير النفس من الذنوب لا يتأتى إلا بالاقتداء بها. أما من حيث الضمائر، فقد وظف الشاعر ضمير المتكلم الذي يفصح من خلاله على معاناته العاطفية، وضميري المخاطب والغائب اللذين يصف من خلالهما أخلاق الرسول(عليه الصلاة والسلام)، وصفاته الخلقية.

        وإذا ما انتقلنا إلى المستوى الإيقاعي نجد الشاعر، يحافظ على شكل القصيدة العربية القديم والذي دأب عليه الشعراء الأقدمين، والمتمثل في نظام الشطرين المتناظرين، وما يرتبط بهذا الشكل من وحدة الوزن والقافية والروي، فنظم الشاعر قصيدته على وزن "بحر البسيط" بعروض مخبونة، وضرب مخبون مثلها. والبسيط من أهم البحور التقليدية التي ركبها فحول الشعراء، و نظموا فيها أهم أغراضهم التقليدية، ينسجم إلى حد كبير وموضوع القصيدة، والقيم التي تغنى بها الشاعر، واعتمد المطلع المصرع(العلم/الحرم)، كما اعتمد قافية موحدة؛ وهي قافية متراكبة مطلقة موصولة بالياء، رويها الميم، وهو من الحروف المجهورة؛ اعتمده الشاعر ليسره في التعبير عن مشاعره، والجهر بأخلاق الرسول(عليه الصلاة والسلام).

    أما على مستوى الإيقاع الداخلي، فنجد الشاعر يوظف التكرار بمختلف أنواعه؛ فعلى مستوى الصوت نجد: (الميم، السين، القاف، الفاء، الحاء، النون، وحروف المد...). أما الكلمة؛ فنميز فيها بين تكرار التطابق(الأخلاق-ساكن-السهم- القاع- نفس- الله...)، وتكرار التجانس(تسم/تسم- سنا/سناء- آدم/أدم- البحر/البدر- الحرم/الحرم- نائم/ينم...)، وتكرار الترادف(الأماني=الأحلام-الشعوب=الأمم-الخير=الكرم- صفوة=بغية – العتق=القدم – الرسل=الأنبياء...). كما اعتمد التوازي الصرفي التركيبي، والصوتي الإيقاعي في البيت السادس عشر(البدر دونك في حسن وفي شرف/والبحر دونك في خير وفي كرم)؛ حيث يتناظر الشطران تركيبيا وصوتيا؛ مما يحقق انسجاما إيقاعيا ملفتا. هذا الإيقاع خلق موسيقى ملفتة لانتباه القارئ، جعلته يستمتع بقراءة القصيدة، ويتأثر بأخلاق الرسول(عليه الصلاة والسلام)، ويتشبع بها، ويجعلها نورا يهتدي بها.

      من خلال ما سبق يمكن القول إن قصيدة أحمد شوقي، جاءت مطابقة لمنظومة القصائد العربية القديمة، ومعارضة لها. فعلى مستوى البناء، نوع الشاعر في أغراض قصيدته، معتمدا أغراضا تقليدية(غرضي الغزل والمدح)، ومتغنيا بالمعاني نفسها التى طالما تغنى بها الشاعر القديم. وعلى مستوى المعجم، اعتمد ألفاظا تراثية جزلة. وعلى مستوى الصور الفنية، وظف صورا تقليدية تقوم على التشبيه والاستعارة والمجاز، وهي صور حسية بسيطة وعباراتها متداولة. أما من حيث الإيقاع فيبقى قديما، من حيث اعتماد أحمد شوقي على نظام الشطرين المتناظرين، وبحر البسيط، ووحدة القافية والروي، والمطلع المصرع؛ ليكون بذلك الشاعر أحمد شوقي تلميذا نجيبا لأستاذه البوصيري، وأحد أبرز رواد المدرسة الكلاسيكية القائمة على محاكاة النماذج الشعرية القديمة والتي استطاعت إنقاذ الشعر العربي مما آل إليه من ضعف وانحطاط، وإسفاف وابتذال؛ ليستعيد جزالته وقوته، ويستأنف مسيرة تطوره في المشرق والمغرب.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
تحليل قصيدة نهج البردة لأحمد شوقي سنة 2 ثانوي

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
0 إجابة
مرحبًا بك إلى الحل المفيد، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...