بحث عن المنطق والمنهج الجدلي عند هيغل
في موقع،{{ الحل المفيد}}، نطرح عليكم طلاب وطالبات bac البكالوريا للسنة أولى والثانية والثالثة ثانوي ملخص شرح تحليل وتحضير النصوص والمقالات الفلسفية باك 2023 2024 جميع الشعب كما نقدم لكم الأن أعزائي التلاميذ إجابة السؤال الفلسفي القائل... _____بحث عن المنطق والمنهج الجدلي عند هيغل
_إجابة السؤال هي
المنطق والمنهج الجدلي عند هيغل
كما ذكرتُ في مقدمة الكتاب، أنا لا أنوي تقديم عرض تفصيلي لكتاب هيجل «علم المنطق»، لكنني من جهة أخرى لا أرغب في أن أترك انطباعًا خاطئًا لدى القارئ بأن كتاب «علم المنطق» عمل غير مُهمٍّ أو سطحي بالنسبة لنسق هيجل الفلسفي ككلٍّ؛ لذلك سأذكر بعض ما أراد هيجل تحقيقه في هذا الكتاب، وفي أثناء ذلك، سأستغل الفرصة لشرح رؤيته بشأن المنطق التي كثيرًا ما يُنظر إليها بوصفها أعظم اكتشافات هيجل، والتي تُعرَف بالمنهج الجدلي.
◼️مفهوم هيجل عن المنطق
يخبرنا هيجل في مقدمة كتابه «علم المنطق» أن غاية المنطق هي الحقيقة. هذا أمر طيب، لكن أي نوع من الحقيقة؟ يبدأ هيجل بالإشارة إلى وجهة النظر التقليدية بشأن الموضوع، التي تبدأ بالفصل بين الشكل والمضمون، وتعتبر أن المنطق هو دراسة شكل الفكر الحقيقي أو الصحيح، بصرف النظر عن مضمونه. فالمنطق، على النحو الذي يُفهم به عادةً، يدرس أشكالًا من الحُجج المنطقية، مثل:
كل ما هو «أ» هو «ب»
و«س» هو «أ»
إذن «س» هو «ب»
هنا لدينا شكل دون مضمون. يمكننا أن نكتب: «إنسان» و«فاني» و«سقراط» بدلًا من: «أ» و«ب» و«س» على التوالي. أو يمكننا كتابة: «حيوان من ذوات الأربع» و«مكسو بالفراء» و«سلحفاتي الأليفة». الحُجَّة صحيحة في كلتا الحالتين، على الرغم من أن وجود مقدمة منطقية خاطئة قد يؤدِّي أيضًا إلى استنتاج خاطئ. صحة الحُجَّة هي مسألة شكل لا مضمون؛ فعالِم المنطق لا يعنيه المضمون.
نتيجةً لهذا الفصل بين الشكل والمضمون، لا يخبرنا المنطق بأي شيء بخصوص العالم الواقعي. إن أشكال الحُجج التي يصفها المنطق ستظل كما هي بالضبط إذا كان البشر غير فانين أو كانت السلاحف فعلًا مكسوة بالفرو، ولن تتغير إذا لم يكن هناك بشر أو سلاحف على الإطلاق.
إذا تذكَّرنا كيف بدأ هيجل في كتاب «فينومينولوجيا العقل» تناول مشكلة المعرفة من خلال الاعتراض على التمييز الشائع المفترض بين العالِم والمعلوم، فلا ينبغي أن نتفاجأ إذا ما علمنا أن هيجل يذكر هذا التمييز التقليدي بين الشكل والمضمون حتى يعترض عليه. فالمنطق، كما يقول هيجل، هو دراسة الفكر، لكن هيجل في كتابه «فينومينولوجيا العقل» أوضح بالفعل أنه لا يوجد واقع موضوعي مستقل عن الفكر. فالفكر هو واقع موضوعي، والواقع الموضوعي هو الفكر. وهكذا عندما يدرس المنطق الفكر، لا بد أن يدرس الواقع أيضًا. يقول هيجل إننا «إذا كنا لا نزال نرغب في استخدام كلمة «المادة»، فيجب أن يكون مضمون المنطق هو «المادة الحقيقية الواقعية».» ثم يقدم لنا هيجل بعض الصور عن موضوع المنطق. فيقول هو «الحقيقة كما هي، دون قناع، في ذاتها ولذاتها.» أو بكلمات أخرى: «يعلن هذا المضمون عن وجود الإله كما هو في جوهره الخالد قبل خلق الطبيعة والعقل المحدود.»
يطلق فالتر كوفمان على هذا «ربما أكثر الصور جنونًا في كتابات هيجل كافة»، لكن ما يشير إليه هو أمر لا يتعلق نهائيًّا بوجهة النظر التقليدية بشأن أن المنطق لا يخبرنا بأي شيء عن العالم. إن القول بأن المنطق لا يتعلق بعالم الطبيعة والعقول المحدودة، يعني أن هيجل يقبل جزءًا من وجهة النظر التقليدية. إن الجزء الذي يتحمس بشدة لرفضه هو فكرة أن الواقع — أو الحقيقة — يوجد «فقط» في عالم الطبيعة والأشخاص. على العكس من ذلك، فمثاليته المطلقة تُظهِر أن الواقع المطلق يوجد فيما هو عقلي وفكري، وليس فيما هو مادي. فهو يوجد، على وجه التحديد، في الفكر العقلاني. إذن المنطق هو دراسة الواقع المطلق في شكله الخالص، مجردًا من الأشكال المحددة التي يتخذها في العقول المحدودة للبشر أو في العالم الطبيعي.
هناك أثر آخر لوجهة نظر هيجل عن العقل بوصفه الواقع المطلق على أهمية المنطق؛ فبما أن العقل يشكِّل العالَم، فستكشف دراسةُ الفكر العقلاني المبادئَ التي شُكِّل هذا العالمُ على أساسها. لنصِغها بمصطلحات هيجل الخاصة: إن فهم جوهر الإله الخالد قبل خلق العالم هو فهم الأساس الذي خُلق العالَم بناءً عليه.
◼️ المنهج الجدلي لهيجل
في أثناء كتابته لمسودة كتاب «رأس المال»، كتب ماركس إلى إنجلز يقول:
من حيث «منهج» التناول، ساعدني كثيرًا أنني بالمصادفة البحتة تصفَّحتُ مجددًا كتاب هيجل «علم المنطق» … لو أن لديَّ الوقت للقيام بمثل هذا العمل، لوددت بدرجة كبيرة أن أجعل في متناول الذكاء البشري العادي، في صفحتين أو ثلاث صفحات مطبوعة، ما هو «عقلاني» في المنهج الذي اكتشفه هيجل لكن في الوقت نفسه المغلف بغطاء روحي …
إن المنهج الذي يشير إليه ماركس هو بالطبع المنهج الجدلي، الذي يصفه هيجل بأنه «المنهج الحقيقي الوحيد» للعرض الفكري والعلمي. إنه الطريقة التي يستخدمها هيجل في «علم المنطق» للكشف عن شكل الفكر الخالص.
لم يجد ماركس الوقت أبدًا ليكتب تفسيره لما هو عقلاني في المنهج الجدلي. ومع ذلك، استطاع الكثير غيره الكتابةَ في هذا الموضوع، إلا أنهم بالتأكيد لم يكونوا بالإيجاز الذي نواه ماركس. يطور بعض هؤلاء المعلقين المنهج الجدلي كي يكون بديلًا لكل أشكال المنطق السابقة؛ كي يكون شيئًا يحلُّ محَلَّ التفكير العقلاني العادي الذي يشبه الشكل المنطقي القياسي البسيط الوارد في الصفحة الأولى من هذا الفصل. لا يوجد لدى هيجل ما يبرر مثل هذه المزاعم المبالغ فيها فيما يتعلق بالمنهج الجدلي. ولا توجد أي حاجة للتعامل مع هذا المنهج بوصفه شيئًا عميقًا وغامضًا. فكما يقول هيجل، هو طريقة ذات «إيقاع بسيط» ولا تحتاج لمهارة كبيرة للرقص على أنغامها.
في عرضنا لكتاب «فينومينولوجيا العقل»، كنا في حقيقة الأمر نمارس المنهج الجدلي لهيجل؛ فذلك العمل هو — كما يخبرنا هيجل — «مثال على تطبيق هذا المنهج على شيء أكثر مادية؛ ألَا وهو الوعي.» لا يمكن لأي شخص آخر أن يفكر في الوعي بالصورة التي يصفها في كتاب «فينومينولوجيا العقل» كشيء ماديٍّ نسبيًّا. لكن هناك أمثلة مادية أكثر للمنهج الجدلي في أعمال هيجل اللاحقة؛ لذا ولسهولة العرض، لنبدأ بمثال من كتابه «فلسفة التاريخ».
في كتاب «فلسفة التاريخ»، تهيمن حركة جدلية هائلة على تاريخ العالم، بدءًا من العالم اليوناني وحتى الآن. كانت اليونان مجتمعًا يقوم على الأخلاق العرفية، مجتمعًا متناغمًا يتوحد فيه المواطن مع المجتمع ولا يفكر في معارضته. يشكل المجتمع العرفي هذا نقطة انطلاق الحركة الجدلية، التي تسمى اصطلاحًا «الأطروحة».
المرحلة التالية هي أن تثبت هذه الأطروحة أنها غير ملائمة أو متناقضة. في حالة المجتمع في اليونان القديمة، تتكشف عدم ملاءمة الأطروحة عبر تشكيك سقراط. لم يكن اليونانيون ليستمروا دون فكر مستقل، لكن المفكر المستقل هو الخصم اللدود للأخلاق العرفية. هكذا ينهار مثل هذا المجتمع القائم على العُرف أمام مبدأ الفكر المستقل. حان الآن دور هذا المبدأ ليتطور، وهو ما حدث في ظل المسيحية. تؤدي حركة الإصلاح الديني إلى قبول الحق الأسمى للضمير الفردي. لقد فُقد تناغم المجتمع اليوناني، لكن الحرية انتصرتْ. هذه هي المرحلة الثانية للحركة الجدلية. إنها نقيضُ أو مضادُّ المرحلة الأولى؛ لذلك تُعرف باسم «الأطروحة المضادة».
ثم تثبت المرحلة الثانية أيضًا أنها غير ملائمة. فالحرية، وحدها، يتضح أنها مجردة بدرجة أكبر من المطلوب ولا يمكنها أن تكون أساسًا يقوم عليه المجتمع. وعند التطبيق، يتحول مبدأ الحرية المطلقة إلى الإرهاب الثوري في الثورة الفرنسية. وهكذا يمكننا رؤية أن كلًّا من التناغم العرفي والحرية المجردة للفرد نموذجٌ أحادي الجانب. فيجب الجمع بينهما وتوحيدهما بطريقة تحافظ على كلٍّ منهما، وتتجنب الأشكال المختلفة لأحاديتهما. يقودنا هذا إلى المرحلة الثالثة الأكثر ملاءمة؛ وهي مرحلة «الأطروحة المركَّبة». في كتاب «فلسفة التاريخ»، نجد أن تلك الأطروحة في الحركة الجدلية ككلٍّ هي المجتمع الألماني في عصر هيجل، الذي اعتبره متناغمًا لأنه مجتمع عضوي، ومع ذلك يحافظ على الحرية الفردية لأنه منظم على أسس عقلانية.
تنتهي كل حركة جدلية بأطروحة مركَّبة، لكن لا تنهي كل أطروحة مركَّبة العملية الجدلية بالطريقة التي ظن هيجل أن المجتمع العضوي في عصره أنهى بها الحركة الجدلية للتاريخ. فكثيرًا ما يتضح أن الأطروحة المركَّبة — على الرغم من أنها توفق بين الأطروحة والأطروحة المضادة على نحو ملائم — أحادية من جانب آخر؛ ومِن ثَمَّ تصبح أطروحةً لحركة جدلية جديدة، وهكذا تستمر العملية. وقد رأينا ذلك يحدث أكثر من مرة في كتاب «فينومينولوجيا العقل». على سبيل المثال، انتهى الجزء الخاص بالوعي بظهور الوعي الذاتي. وباعتبار هذا أطروحة، رأينا أن الوعي الذاتي كان في حاجة إلى شيء ما يستطيع أن يميز نفسه من خلاله. يمكن اعتبار الشيء الخارجي هو الأطروحة المضادة. لم يكن هذا مُرضيًا؛ لأن الشيء الخارجي هو شيء غريب عن الوعي الذاتي أو عدائي تجاهه. وكانت الأطروحة المركَّبة هي الرغبة، التي يحتفظ فيها الوعي الذاتي بالشيء الخارجي، لكن يجعله خاصًّا به. ثم ثبت أن حالة الرغبة بدورها غير مرضية، وهكذا انتقلنا إلى شيء خارجي كان هو ذاته وعيًا ذاتيًّا. يمكن اعتبار الوعي الذاتي الثاني هو الأطروحة المضادة للوعي الذاتي الأول، وكانت الأطروحة المركَّبة هي موقفًا يهيمن فيه السيد على العبد، وبذلك يحصل على الاعتراف به. لم تصمد تلك الأطروحة الجديدة أكثر من سوابقها؛ حيث انتهى الحال بأن أصبح العبد أكثر استقلالية وأكثر وعيًا بذاته من السيد. وقد وجدت الأطروحة المضادة هذه أطروحتها في مذهب الرواقية، الفلسفة التي تجمع بين السيد والعبد … وهكذا.
تم تطبيق هذا المنهج نفسه في كتاب «علم المنطق» على الفئات المجردة التي نفكر من خلالها. يبدأ هيجل بأكثر المفاهيم غير المحددة والخالية من المضمون على الإطلاق: الوجود، أو الوجود الخالص. إن الوجود الخالص — يقول هيجل — هو شيء غير محدد وفارغ تمامًا. لا يتضمن هذا الوجود أي شيء كي يدركه الفكر. هو فارغ تمامًا. في حقيقة الأمر، هو لا شيء أو عدم.
انطلاقًا من هذه البداية المثيرة، تتقدم العملية الجدلية في كتاب «علم المنطق». الأطروحة الأولى، وهي «الوجود»، تحولت إلى أطروحة مضادة، وهي «العدم». الوجود والعدم متناقضان ومتماثلان؛ إذن فحقيقتهما هي هذه الحركة؛ كلٌّ منهما باتجاه الآخر أو بعيدًا عنه؛ أي «الصيرورة».
وهكذا تستمر العملية الجدلية، لكننا لن نتتبعها؛ فقد رأينا ما يكفي لندرك فكرة المنهج الجدلي. فمن وجهة نظر هيجل، هي طريقة للعرض، لكنها أيضًا طريقة يقول عنها هيجل «إنها لا تختلف بأي حال عن الشيء الخاص بها ومضمونها؛ لأن المضمون في ذاته، والجدلية التي تتضمنها في ذاتها، هما اللذان يحركانها.» في فئات فكرنا وفي تطور الوعي وفي تقدم التاريخ، هناك عناصر متناقضة تؤدي إلى تفكك ما بدا أنه مستقر، وإلى ظهور شيء جديد يوفق بين العناصر التي كانت متناقضة في السابق لكنه بدوره يطور توترات داخلية خاصة به. هذه العملية ضرورية؛ لأنه لا الفكر ولا الوعي يمكنهما البروز في الوجود في شكل ملائم. ولا يمكنهما تحقيق الملاءمة إلا عبر عملية التطور الجدلي. ووفقًا لهيجل، تعمل العملية الجدلية كطريقة عرض؛ لأن العالم يعمل على نحو جدلي.