مقالات درس المنطق الصوري والمنطق المادي
نص الموضوع : هل يمكن الاستغناء عن الفرض العلمي؟
طرح المشكلة : إن الغرضمن التفكير العلمي هو دراسة للكشف عن القوانين التي تتحكم فيهاهذه الدراسة تتطلب منهجااستقرائيا أو تجريبيا مستندا إلى خطوات ثلاث: هي الملاحظة والفرضية و التجربة أما بالنسبةللفرضية ( الفرض العلمي )هو شرح مؤقت وتيسير غير مؤكد وتكهن مبدئي لتفسير الظاهرةالمدروسة وهو استنتاج عقلي يعتمد على الخيال والحدس و الإبداع وقد اختلفالفلاسفة و العلماء فيأهمية وقيمة الفرض العلمي ، فهلللفرض دور في منهج التجريبي؟ آم يمكن استبعاده؟
محاولة حل المشكلة :
1 - عرض الأطروحة :
يرى التجريبيون انه لابد مناستبعاد الفرض العلمي باعتباره انه يقوم على التكهن والظن و العلم اسمي من ذاك لذا كاننيوتن يقول لنا لا اصطنع الفروض ،كما أن الفرض يقوم علىالخيال ولا يقوم على التجربة الحسية لذا كان ماجندي يقول : ***أترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر، والفرض يقيد الملاحظة ويصبح العالم أسيرا له ***، يقول ألان:*** إننا لا نلاحظإلا ما افترضناهويعتبر ماجندي أن الملاحظةالجيدة تكفي يقول " أن الملاحظة الجيدة تغنينا عن سائر الفروض ، ولكل هذا وضع يكون بطرقالاستقراء ليستطيع العالم أن ينتقل مباشرة من الملاحظة والتجربة إلى القانون دونالحاجة إلى وضع الفروض*** ، وقد جاء جون ستيوارت ميل ونظم هذه الطرق وأخرجها على الشكل التالي : الطريقة الاتفاق أو التلاؤم مع الحضور ونصها :إن وجود العلةستلزم وجود المعلول وطريقة االاختلاف أوالتلازم في الغياب ونصها أن غياب العلة يستلزم غياب المعلول ثم طريقة التغير السلبي أوالتلازم في التغير ونصها أن تغير العلة يستلزم تغير المعلول و أخيرا طريقةالبواقي ونصهاالعلة الباقية للمعلول الباقي.
مناقشة: ينكر التجريبيون مبادرةالعقل في إنشاء المعرفة العلمية لكن : الكشف العلمي يرجع إلى تأثير العقل و احتياجاته يقولبوانكاريه :*** إن الحوادث يتقدم إلى الفكر بدون رابطة إلى أن يجئ الفكرالمبدع ، فكما كومة الحجارة ليست بيتا كذلك اجتماع الحقائق بدون ترتيب ليستعلما فالجواهر موجودة ولكن تشكل عقدا " ما لم يجيء احدهم بخيط ،كما أن الواقعة الخرساء ليست هي التي تهب الفكر بل العقل و الخيال ***، أما طرقالاستقراء فقد وجهت لها الكثير من الانتقادات لذا أعلن باشلار :*** إن البحث العلمي صحيحيتنافى مع هذه الطرق التي تعيدهإلى عصر ما قبل العلم***.
2 - عرض نقيض الأطروحة :
يرى العقلانيون أن الفرض العلميهو المنطلق الضروري لكل استدلال تجريبي فلولا الفروض لما استطاع العالم أن يجرببرنارد :*** إن الملاحظة توحي بالفكرة والفكرة تقود يد المجرب ولا تكفي مات تعطيهالملاحظة من أمور حسية ولكن البد من تدخل العقل يقول ابن الهيثم :*** إني لاأصل إلى الحق إلا من آراء تكون عناصرها أمور حسية وصورتها عقلية***.
3 – التركيب : إذن لا يجب التقليل من الفرض العلمي فبدونهلا يقوم أي نشاط عقلي فالتجريب بدون فرض مسبق يؤدي إلى المخاطرةوالملاحظة بدون تجريب مسبقة تقيد عملنا،ولكي يؤدي الفرض العلمي في المنهجالتجريبي يجب أن يستوفي الشروط التالية يجب أن يعتمد على الملاحظة والتجربةالعلميتين كما يجب أن يكون قابلا للتحقيق بالتجربة وان يكون خاليا من التناقضوان لا يتعارض مع حقائق ثابتة أكدها العلم يقول برنارد :*** "إنالذين أدانوا استخدام الفروض أخطئوا بخلطهم بين اختراع التجربة وعاينت نتائجها ...فمن الصواب أن يقول أن يجب علينا معاينة التجربة بروح مجردة من الفروض ،ولكنلابد من الفرضعندما يتعلق الأمر بتأسيسالتجربة بل على العكس هنا لابد أن نترك العنان لخيالنا.
حل المشكلة : إذنيبقي الفرض العلمي هو المسعىالأساسي الذي يعطي المعرفة العلمية خصبها سواء ثبت صحته أو لم تثبت لان الفرض الخاطئسيساعد على توجيه الذهن إلى فرض خاطئ وهكذا حتى نصل إلى الفرض الصحيح.
المقالة جدليةالرابعة : انطباق الفكر مع الواقع " الحتمية "
نص الموضوع : هل الطبيعة تخضع لمبدأ الحتمية خضوعا كليا ؟
طرح المشكلة ← إن الغاية من العلم هو الوصول إلى تفسيرالظواهر تفسيرا صحيحا ، أي معرفة الأسباب القريبة التي تتحكم في الظواهر و أنه إذاتكرر نفس السبب فإنه سيؤدي حتما إلى نفس النتائج وقد اصطلح على تسميته من طرف العلماءبمبدأ الحتمية ؛ إلا أنه شكلمحل خلاف بين الفلاسفة القرن 19 وفلاسفة القرن 20 فقد كان نظاما ثابتا يحكم كل الظواهر عندالفريق الأول ثم أفلتت بعض الظواهر عنه حسب الفريق الثاني بظهور مجال جديد سميباللاحتمية فأي الفريقين على صواب أو بمعنى أخر :هل يمكن الاعتقاد بأنالحوادث الطبيعية تجري حسب نظام كلي دائم ؟ أم يمكن تجاوزه ؟
محاولة حل المشكلة ←
الأطروحة ← يرى علماء (الفيزياء الحديثة) وفلاسفةالقرن التاسع عشر ( نيوتن، كلود برنار ، لابلاس ، غوبلو ، بوانكاريه ) أن الحتمية مبدأ مطلق . فجميع ظواهر الكون سواء المادية منها أوالبيولوجية تخضع لمبدأ إمكانية التنبؤ بها . ولقد أشار نيوتن في القاعدة الثانية من أسستقدم البحث العلمي و الفلسفي : " يجب أن نعين قدر المستطاع لنفسالآثار الطبيعية نفس العلل " كما اعتبر بوانكاريه الحتمية مبدأ لا يمكن الاستغناء عنهفي أي تفكير علمي أو غيره فهو يشبه إلى حد كبير البديهيات إذ يقول " إنالعلم حتمي و ذلك بالبداهة " كما عبر عنها لابلاس عن مبدأ الحتميةأصدق تعبير عندما قال " يجب علينا أن نعتبر الحالة الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة ، وسببافي حالته التي تأتي من بعد ذلك مباشرة لحالتهالسابقة ، وسببا في حالته التي تأتي من بعد ذلك مباشرة "" وكلود برنار يضيفأن الحتمية ليس خاصة بالعلوم الفيزيائية وحدها فقط بل هي سارية المفعول حتى على علوم الإحياء . وأخيرا يذهب غوبلو إلى القول : بأن العالم متسق ،تجري حوادثه على نظام ثابت وأن نظام العالم كلي وعام فلا يشذ عنه في المكان حادث أوظاهرة فالقانونالعلمي هو إذن العلاقة الضروريةبين الظواهر الطبيعية "
الحجج ← إن الطبيعة تخضع لنظامثابت لا يقبل الشك أو الاحتمال لأنها غير مضطرة و معقدة وبالتالي فمبدأ الحتمية هو أساس بناء أيقانون علمي ورفضه هو إلغاء للعقل وللعلم معا .
النقد ← لكن مع اقتراب القرن 19من نهايته اصطدم التفسير الميكانيكي ببعض الصعوبات لم يتمكن من إيجاد حل لها مثلا :افتراض فيزياء نيوتن أن الظواهر الطبيعية مترابطة و متشابكة مما يقلل من فعالية ووسائلالقياس عن تجزئتها إلى فرديات يمكن الحكم على كل واحد منها بمعزل عن الأخرى . ولن يكون صورة كاملة عن هذا العالم إلا إذا وصلت درجةالقياس الذي حواسنا إلى درجة النهاية وهذا مستحيل .
نقيض الأطروحة ← يرى علماء (الفيزياء المعاصرة ) و فلاسفة القرن العشرين ( بلانك ، ادينجتون ، ديراك ، هيزنبرغ ) أن مبدأ الحتمية غير مطلق فهو لايسود جميع الظواهر الطبيعية .
الحجج ← لقد أدت الأبحاث التيقام بها علماء الفيزياء و الكيمياء على الأجسام الدقيقة ، الأجسام الميكروفيزيائيةإلى نتائج غيرت الاعتقاد تغييرا جذريا . حيث ظهر ما يسمى باللاحتمية أو حساب الاحتمالوبذلك ظهر ما يسمىبأزمة الفيزياء المعاصرة والمقصود بهذه الأزمة ، أن العلماء الذين درسوا مجال العالم الأصغر أي الظواهر المتناهية فيالصغر ، توصلوا إلى أن هذهالظواهر تخضع لللاحتميةوليس للحتميةورأى كل من ادينجتون و ديراك أنالدفاع عن مبدأ الحتمية باتمستحيلا ، وكلاهما يرى أن العالم المتناهي في الصغر عالم الميكروفيزياءخاضع لمبدأ الإمكان و الحريةو الاختيار . ومعنى هذا أنه لا يمكن التنبؤ بهذه الظواهرونفس الشيء بالنسبة لبعض ظواهرالعالم الأكبر (الماكروفيزياء ) مثل الزلازل . وقد توصلهايزنبرغ عام1926 إلى أن قياس حركةالإلكترون أمر صعب للغاية ، واكتفى فقط بحساباحتمالات الخطأ المرتكب فيالتوقع أو ما يسمى بعلائق الارتياب حيث وضع القوانين التالية :
← كلما دق قياس موقع الجسم غيرتهذه الدقة كمية حركته .
← كلما دق قياس حركته التبسموقعه .
← يمتنع أن يقاس موقع الجسموكمية حركته معا قياسا دقيقا ، أي يصعبمعرفة موقعه وسرعته في زمن لاحق .
إذا هذه الحقائق غيرت المفهومالتوليدي حيث أصبح العلماء الفيزيائيون يتكلمون بلغة الاحتمال و عندئذ أصبحت الحتميةفرضية علمية ، ولم تعد مبدأ علميا مطلقا يفسر جميع الظواهر .
نقد ← لكن رغم أنالنتائج و البحوث العلمية أثبتتأن عالم الميكروفيزياء يخضع لللاحتمية وحساب الاحتمال فإن ذلك مرتبط بمستوىالتقنية المستعملة لحد الآن . فقد تتطور التقنية و عندئذ في الإمكان تحديد موقعوسرعة الجسم في آن واحد .
التركيب ← ذهب بعض العلماءأصحاب الرأي المعتدل على أن مبدأ الحتمية نسبي و يبقى قاعدة أساسية للعلم ، فقد طبق الاحتمالفي العلوم الطبيعية و البيولوجية وتمكن العلماء من ضبط ظواهر متناهية في الصغرواستخرجوا قوانين حتمية في مجال الذرة و الوراثة ، ولقد ذهب لانجفان إلىالقول " و إنما تهدم فكرة القوانين الصارمة الأكيدة أي تهدم المذهب التقليدي"
حل المشكلة← ومنه يمكن القول أن كل من الحتمية المطلقةوالحتمية النسبية يهدفان إلى تحقيق نتائج علمية كما أن المبدأين يمثلان روح الثورةالعلمية المعاصرة ، كما يتناسب هذا مع الفطرة الإنسانية التي تتطلع إلىالمزيد من المعرفة ، وواضح أن مبدأ الحتمية المطلق يقودنا على الصرامة وغلقالباب الشك و التأويل لأن هذه العناصر مضرة للعلم ، وفي الجهةالمقابلة نجد مبدأ الحتمية النسبي يحث على الحذر و الابتعاد عن الثقة المفرطة في ثباتها، لكن من جهةالمبدأ العام فإنه يجب علينا أننعتبر كل نشاط علمي هو سعي نحو الحتمية فباشلار مثلا يعتبر بأن مبدأ اللاتعيين في الفيزياءالمجهرية ليس نفيا للحتمية ، وفي هذا الصدد نرى بضرورة بقاء مبدأ الحتميةالمطلق قائم في العقلية العلمية حتى وإن كانت بعض النتائج المتحصل عليهاأحيانا تخضع لمبدأ حساب الاحتمالات .