مقال جدلي حول عوامل الإبداع
نص السؤال :هل العوامل الذاتية كافية لحدوث عملية الإبداع؟
في موقع،{{ الحل المفيد}}، نطرح عليكم طلاب وطالبات bac البكالوريا للسنة أولى والثانية والثالثة ثانوي ملخص شرح تحليل وتحضير النصوص والمقالات الفلسفية باك 2023 2024 جميع الشعب كما نقدم لكم الأن أعزائي التلاميذ إجابة السؤال الفلسفي القائل... _____مقالة جدلية حول عوامل الإبداع هل العوامل الذاتية كافية لحدوث عملية الإبداع
_إجابة السؤال هي
مقال جدلي حول عوامل الإبداع
هل العوامل الذاتية كافية لحدوث عملية الإبداع
مقدمة : طرح المشكلة
يتميز الانسان عن بقية الكائنات بعدة وظائف عقلية عليا من بينها التخيل و هو القدرة على إستحضار الصور بعد غيابها و تركيبها تركيبا حرا وهو نوعان تخيل تمثيلي يسترجع فيه الانسان الصور و يمثلها في عقله بعد غياب الأشياء المحسوسة التي أحدثتها،و تخيل إبداعي يبتكر فيه صورا جديدة غير مألوفة تتجاوز الواقع و هو تخيل فعال يشمل كافة مجالات الحياة
و قد أثار هذا التخيل الإبداعي جدالا واسعا بين الفلاسفة حيث تضاربت آرائهم حول العوامل المتحكمة فيه فإنقسموا إلى تيارين متعارضين تيار يرى بان الإبداع يرجع إلى عوامل ذاتية متعلقة بالفرد المبدع و تيار يرجع عملية الإبداع إلى عوامل موضوعية مرتبطة بالمجتمع و أمام هذا الجدال فإن الإشكال الذي يمكن طرحه هو : هل الإبداع يعود إلى شروط ذاتية أم إجتماعية ؟ و بمعنى آخر هل الإبداع راجع إلى الفرد المبدع أم إلى المجتمع الذي يعيش فيه ؟
العرض : محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة : "الإبداع يرجع إلى شروط ذاتية "
إن عملية الإبداع عملية ذاتية خالصة فهي مرتبطة بفرد معين يحمل مجموعة من القدرات العقلية والنفسية التي يتميز بها عن غيره من الناس ويدافع عن هذا الطرح كل من : برغسون بوانكاري بواريل و فرويد" و حججهم في ذلك أن :
الإبداع مرتبط بالحالة النفسية للمبدع و ما تحتويه من إنفعالات كالحزن ، الشوق ، الفرح ...إلخ فالمبدع لا يبدع إلا إذا تأثر من وضع معين فالحماس الثوري الشديد لمفدي زكريا جعله يبدع الإلياذة دون غيره و كذا شوق الشاعر أحمد شوقي لوطنه بعد نفيه جعله يبدع لنا شعر جديد " شعر المنفى " لذلك يقول برغسون " إن العباقرة والمبدعون لا يبدعون وهم في حالة جمود دم و إنما يبدعون وهم في جو حماسي و تيار ديناميكي تتلاطم فيه الأفكار "
كما أن الإبداع لا يتم إلا إذا كان هذا المبدع يمتلك قدرات عقلية هائلة من قوة الذكاء والذاكرة و خصوبة التخيل و شدة الإنتباه و التركيز فعلى سبيل المثال رغم أن كل الناس يلاحظون سقوط الأجسام منذ القدم إلا أن ذلك لم يوحي لهم بشيء لكن فالذكاء الخارق والتركيز الشديد و الخيال الواسع لنيوتن جعله يكتشف قانون الجاذبية دون لذلك يقول نيوتن " لم يحدث إختراع قط دون تخمين جريء " و يقول بواريل " إن الإبداع لا يتحقق في غياب عقل قادر عليه "
و يمكن كذلك للإبداع أن يتجلى أحيانا في شكل إلهام فالرياضي بوانكاري كثيرا ما كان يجد حلولا لمسائله الرياضية عندما يكون بعيدا عن مكتبته حيث يقال أنه وجد فكرة تتعلق بالهندسة اللاإقليدية و هو يضع قدمه على سلم الحافلة لذلك يقول " إن الحظ يحالف النفس المهيأة " و كذلك إلياس هاوي مخترع آلة الخياطة الذي وجد حلا لمشكلة ثقب الإبرة أثناء النوم و ذلك بعد تفكير دام عشر سنوات كما ينسب الشعراء إبداعاتهم إلى قوة غامضة تنبع من اعماق النفس حيث يقال أن أغلب أشعارهم تكتب أثناء النوم يقول نزار قباني " إن الشعر يهبط كالمفاجأة السعيدة ويجيء مثل الطائر الليلي من الجزر البعيدة ".
و يرى عالم النفس فرويد أن الإبداع هو المجال المناسب الذي يعبر فيه الإنسان عن رغباته المكبوتة مثل الرسم و الموسيقى لذلك يقول " الإبداع مصدره اللاشعور إنه تنفيس عن المكبوتات والذكريات الأليمة " و يقول كيوني " لهذا كان من الطبيعي أن نفترض أن اللاشعور هو منبع دوافع الإبداع و مصدر الإلهام العظيم في الحياة البشرية " و خير دليل على ذلك ما جسده دافنشي في لوحته المشهورة الموناليزا حين رسم أمه بوجهين وجه فرح لأن إبنها أصبح رساما عالميا و وجه حزين لأنه إبن غير شرعي
أما أدلر فيرد الإبداع إلى الشعور بالنقص فالإنسان الذي يعاني من نقص معين يدفعه إلى التعويض الذي قد يتجلى في شكل إبداع مثل طه حسين الذي كان فاقدا للبصر و مع ذلك أبدع لنا أسلوب أدبي جديد يسمى بالسهل الممتنع و كذلك بتهوفن
نقد : حقيقة أن الإبداع لا يتحقق إلا توفرت الشروط النفسية والذهنية في الفرد المبدع إلا أن هذا التيار بالغ كثيرا في تركيزه على العوامل الذاتية فهي لوحدها غير كافية لحدوث عملية الإبداع لأن الإبداع لابد له من مناخ إجتماعي ينبت فيه فالذكي لا يمكن أن يبدع شيئا في وسط إجتماعي يفتقر لكل المعطيات الثقافية و العلمية " هجرة الأدمغة " .
عرض نقيض الأطروحة : الإبداع يرجع إلى شروط موضوعية "
إن الإبداع ظاهرة إجتماعية تقوم على ما يوفره المجتمع من إمكانات مادية ومعنوية للفرد المبدع فالإبداع مرتبط بدرجة نمو المجتمع وحاجته لأن المبدع يبدع لمجتمعه لا لنفسه و يتبنى هذا الموقف " دوركايم ، بيكار ، باستور " و حججهم في ذلك أن :
الإبداع مرتبط بإهتمام و معاناة المجتمع لأن المبدع لا يبدع إلا تلبية لحاجة المجتمع فلولا حاجتنا إلى النقل لما إخترع الإنسان السيارة والطائرة و خير دليل على ذلك أن حاجة المجتمع إلى الإنارة هي التي دفعت بإديسون إلى إختراع المصباح لذلك يقال " الحاجة أم الإختراع " و يقول دوركايم " إن الإبداع هو عبارة عن تحولات و تغيرات تحدث على مستوى الجماعة " كما أن الظروف والأوضاع المزرية التي يعاني منها المجتمع هي التي تدفع الفرد إلى الإبداع فمثلا إبداع كارل ماركس للإشتراكية جاء بهدف رفع الظلم والطبقية التي كان يمارسها النظام الرأسمالي في حق العمال و كذلك مشروع الوئام المدني الذي جاء كحل لأزمة العشرية السوداء
كما ان المجتمع هو الذي يوفر الإمكانات اللازمة للإبداع و الجو المناسب خاصة ما يتعلق بالمعدات والوسائل فالولايات المتحدة مثلا تجند لفئة المبدعين ملايين الدولارات على شكل مخابر و أجهزة ليظهروا إبداعاتهم و يخرجوا بها إلى أرض الواقع عكس الدول المتخلفة التي لا تولي لهذه الفئة أي أهمية و هذا هو سبب ظاهرة هجرة الادمغة يقول باستور" إن الأفكار الخصبة نبات الحاجة و الإبداعات تتطلب ميزانية ضخمة للبحث العلمي "
إن الإبداع يتوقف على درجة نمو المجتمع فالمبدع يجب أن يكون إبداعه متماشيا مع التطور العلمي الحاصل داخل المجتمع فمثلا الفلكي الأندلسي عباس بن فرناس لم يستطع إختراع طائرة بالمواصفات الحالية رغم أنه أول من إهتدى إلى فكرة الطيران لأن هذا الإختراع يرتكز على نظريات علمية لم تكن قد أكتشفت بعد في ذلك العصر وكذلك إكتشاف ريمان لهندسته الجديدة القائمة على كروية المكان الهندسي لم يتحقق إلى بعد ظهور نظرية غاليلي حول كروية الأرض لذلك يقول بيكار "لا يمكن أن يكون هناك إبداع إلا إذا سمحت به حاجة العلم " و يقول دوركايم " الإبداع متوقف على درجة النمو التطور من جهة و حاجة المجتمع من جهة أخرى "
نقد : صحيح أن للمجتمع دور كبير في عملية الإبداع إلا أن هذا التيار بالغ كثيرا حينما أعتبره ظاهرة إجتماعية فهذه العوامل لا أهمية لها في غياب فرد يمتلك قدرات عقلية خارقة فلو كانت العوامل الإجتماعية هي الشرط الوحيد لعملية الإبداع لكان كل أفراد المجتمع مبدعين كما أن المجتمع غالبا ما يقف حاجزا أمام المبدعين مثلما حدث مع غاليلي و سقراط يقول بواريل " إن الجماعة دائما ما تعارض شجاعة المبدع بروح جامدة "
تركيب : يمكن القول أن عملية الإبداع وليدة التكامل بين العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية فالإبداع يستمد وجوده من حيوية المبدع و ما يتوفر عليه من خصائص و قدرات عقلية ونفسية يتميز بها عن غيره و يستمد مادته و موضوعاته من حاجة المجتمع و ظروفه لذلك يقول ريبو " إن الإبداع مهما كان فرديا فإنه يحتوي على نصيب جماعي "
خاتمة : حل المشكلة
نستنتج في الأخير أن الإبداع ما هو ﺇلا ثمرة تكامل العوامل النفسية و الاجتماعية فهو عملية يقوم بها الفرد تلبية لحاجة المجتمع ، فالمبدع يتميز بخصائص نفسية و عقلية خارقة كقوة الذاكرة و سعة الخيال و الذكاء الخارق مع الميول القوية و الرغبة و الاهتمام و الانتباه إضافة إلى الجو الذي يوفره المجتمع من شروط و إمكانات مادية ومعنوية تساعد المبدع، وهذا ما حدث مع إديسون الذي تميز بالعبقرية و الإرادة القوية وقد لقي التقدير و الدعم من المجتمع الأمريكي يقول غاستون بوتول "ليس هناك فكر بدون مفكر ولا إبداع بدون مبدع .وعوامل الإبداع ينبغي أن توجد في الوظائف النفسية للمبدع التي لا لا يمكن تصورها بدون الحياة الإجتماعية التي تقويها و تعبر عنها"