تحليل و شرح قصيدة المساء للشاعر خليل مطران
هلاً بكم طلاب وطالبات في موقع الحل المفيد الموقع الإلكتروني التعليمي يسرنا أن نطرح بين يديكم إجابة السؤال القائل تحليل و شرح قصيدة المساء للشاعر خليل مطران
وتكون اجابتة الصحية والنموذجية للسؤال هي
.تحليل و شرح قصيدة المساء للشاعر خليل مطران :
دَاءٌ أَلَمَّ فخِلْتُ فيهِ شِفَائي * من صَبْوَتي ، فتَضَاعَفَتْ بُرَحَائي
يَا لَلضَّعيفَينِ ! اسْتَبَدَّا بي ، ومَا * في الظُّلْمِ مثلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ
قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالجَوَى * وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنَ الأَدْوَاءِ
وَالرُّوحُ بَيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ * في حَالَيِ التَّصْوِيبِ وَالصُّعَدَاءِ
وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ * كَدَرِي ، وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائي
إِنِّي أَقَمْتُ عَلَى التَّعِلَّةِ بالمُنَى * في غُرْبَةٍ قَالُوا : تَكُونُ دَوَائي
إِنْ يَشْفِ هَذَا الجسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا * أَيُلَطِّفُ النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ ؟
أَوْ يُمْسِكِ الحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامِهَا * هَلْ مَسْكَةٌ في البُعْدِ لِلْحَوْبَاءِ ؟
عَبَثٌ طَوَافِي في البلاَدِ ، وَعِلَّةٌ * في عِلَّةٍ مَنْفَايَ لاسْتِشْفَاءِ
مُتَفَرِّدٌ بصَبَابَتي ، مُتَفَرِّدٌ * بكَآبَتي ، مُتَفَرِّدٌ بعَنَائِي
شَاكٍ إِلَى البَحْرِ اضْطِرَابَ خَوَاطِرِي * فَيُجيبُني برِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ
ثَاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمََّ ، وَلَيْتَ لي * قَلْبَاً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ !
يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي * وَيَفتُّهَا كَالسُّقْمِ في أَعْضَائي
وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الجَوَانِبِ ضَائِقٌ * كَمَدَاً كَصَدْرِي سَاعَةَ الإمْسَاءِ
تَغْشَى البَرِيَّةَ كُدْرَةٌ ، وَكَأَنَّهَا * صَعِدَتْ إلَى عَيْنَيَّ مِنْ أَحْشَائي
وَالأُفْقُ مُعْتَكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ * يُغْضِي عَلَى الغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ
يَا لَلْغُرُوبِ وَمَا بهِ مِنْ عِبْرَةٍ * لِلْمُسْتَهَامِ ! وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي !
أَوَلَيْسَ نَزْعَاً لِلنَّهَارِ ، وَصَرْعَةً * لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ ؟
أَوَلَيْسَ طَمْسَاً لِلْيَقِينِ ، وَمَبْعَثَاً * لِلشَّكِّ بَيْنَ غَلائِلِ الظّلْمَاءِ ؟
أَوَلَيْسَ مَحْوَاً لِلوُجُودِ إلَى مَدَىً * وَإِبَادَةً لِمَعَالِمِ الأَشْيَاءِ ؟
حَتَّى يَكُونَ النُّورُ تَجْدِيدَاً لَهَا * وَيَكُونَ شِبْهَ البَعْثِ عَوْدُ ذُكَاءِ
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ * وَالقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ
وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي * كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائي
وَالدَّمْعُ مِنْ جَفْني يَسِيلُ مُشَعْشَعَاً * بسَنَى الشُّعَاعِ الغَارِبِ المُتَرَائي
وَالشَّمْسُ في شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ * فَوْقَ العَقِيقِ عَلَى ذُرَىً سَوْدَاءِ
مَرَّتْ خِلاَلَ غَمَامَتَيْنِ تَحَدُّرَاً * وَتَقَطَّرَتْ كَالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ
فَكَأَنَّ آخِرُ دَمْعَةٍ لِلْكَوْن ِ قَدْ * مُزِجَتْ بآخِرِ أَدْمُعِي لرِثَائي
وَكَأَنَّني آنَسْتُ يَوْمِي زَائِلاً * فَرَأَيْتُ في المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي
معاني الكلمات:
الصبوة : الميل في نفس الفتى .
البرحاء : شدة الأذى .
الضعيفان : هما المرضان اللذان تكلم عليهما ، وقد كنا عنهما بالقلب والغلالة .
الصبابة : الولع الشديد .
الجوى : حرقة الحب الشديد .
الغلالة : ما يلي الجسد من الثياب .
التصويب والصعداء : الشهيق والزفير .
الحوباء : الروح .
كدرة : سواد .
الأقذاء : جمع قذى وهو ما يدخل العين من قشة أو تراب ، وقد عنى بها الشاعر الهموم والجروح .
ذكاء : من أسماء الشمس .
كلمى : مجروحة .
مشعشعا : ممزوجا .
شرح أبيات قصيدة المساء لخليل مطران:
لقد عشنا كلمات تكاد تتفجر لوعة وأحاسيس اختلطت بالحنين – الذكرى – الألم ، مع قصيدة المساء لشاعر القطربن خليل مطران ، والذي خصصنا له موضوعا عن حياته ، يمكنكم الاطلاع عليه في الرابط أسفله :
– مطران خليل مطران : شاعر القطرين المكافح .
قصيدة المساء من ديوان الخليل ، والتي حاولت أن أختصر فيها ، ولا أنقلها كاملة ، لسهولة الاطلاع عليها في أي ديوان أو كتاب أو موقع ، من بحر الكامل ، أما القافية فهمزية الروي مردوفة موصولة بمد .
لقد حاول الشاعر خليل مطران أن يرى في المساء ، ذلك الحلم الرهيب ، وتلك الصورة التي تمثل نفسه المثقلة بالهموم والمرض ، ولا شك أنه تعمد المقابلة ، إذ اختار لقصيدته عنوان ‘ المساء ‘ وخص مطلعها بالكلام على نفسه .
شاعر مريض
دَاءٌ أَلَمَّ فخِلْتُ فيهِ شِفَائي * من صَبْوَتي ، فتَضَاعَفَتْ بُرَحَائي
يَا لَلضَّعيفَينِ ! اسْتَبَدَّا بي ، ومَا * في الظُّلْمِ مثلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ
هناك داءان داء قديم ( مرض القلب ) وآخر جديد ( الهوى وميل النفس ) ، وقد ظن الشاعر أن الجديد سيدفع القديم ويشفيه منه ، لكن سرعان ما خاب ظنه ، إذ تضاعفت آلامه ، واشتدت أوجاعه .
يَا لَلضَّعيفَينِ ! اسْتَبَدَّا بي ، ومَا * في الظُّلْمِ مثلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ
قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالجَوَى * وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنَ الأَدْوَاءِ
وَالرُّوحُ بَيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ * في حَالَيِ التَّصْوِيبِ وَالصُّعَدَاءِ
وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ * كَدَرِي ، وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائي
وصف الشاعر قلبه وجسمه بالضعيفين المستبدين به ، وما أنكره من ظلم واستبداد ، قلب عليل مثقل بالجراح ، وجسد هزيل أنهكته الأمراض ، والروح بينهما معذبة تنشد الخلاص ، بل حتى العقل أصبح كالمصباح تخفت أنواره هي الأخرى جراء شدة المرض .
رحلة الغربة
إِنِّي أَقَمْتُ عَلَى التَّعِلَّةِ بالمُنَى * في غُرْبَةٍ قَالُوا : تَكُونُ دَوَائي
بعد أن انتهى خليل مطران من وصف أمره واضطرابه بين جرحين ، أحدهما في القلب والآخر في الجسد ، انتقل إلى وصف حاله في الغربة ، حيث اقترح عليه أن يسافر قصد الاستشفاء ، لكن الشاعر يرى أن رحلة الاستشفاء ما هي سوى رحلة جحيم يذكي نار مرضه ويزيد ألمه اعتصارا .
مُتَفَرِّدٌ بصَبَابَتي ، مُتَفَرِّدٌ * بكَآبَتي ، مُتَفَرِّدٌ بعَنَائِي
شَاكٍ إِلَى البَحْرِ اضْطِرَابَ خَوَاطِرِي * فَيُجيبُني برِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ
ثَاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمََّ ، وَلَيْتَ لي * قَلْبَاً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ !
على صخرة صماء في المساء جلس الشاعر وحيدا ، يصف نفسه بالتفرد بالحزن والكآبة والعناء ، وهذا تعبير عن مدى اليأس الذي وصلت إليه نفسية الشاعر المتألمة .
غروب يرسم لوحة النهاية
يَا لَلْغُرُوبِ وَمَا بهِ مِنْ عِبْرَةٍ * لِلْمُسْتَهَامِ ! وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي !
أَوَلَيْسَ نَزْعَاً لِلنَّهَارِ ، وَصَرْعَةً * لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ ؟
لقد أبدع الشاعر في تصويره للغروب ، إذ أخرج كل ما في نفسه من أحاسيس وتصورات ، اقتضتها حالة الشاعر ، ومنظر الغروب ، إذ يرى فيه حكما ومواعظ ، ساقها الشاعر في لوحات زاهية حلقت بنا إلى جو رفيع ، وهذا إن دل على شيء ، فإنه يدل على سعة خيال الشاعر ، ومقدرته الكبيرة في التصوير .
وَالشَّمْسُ في شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ * فَوْقَ العَقِيقِ عَلَى ذُرَىً سَوْدَاءِ
وصف الشاعر خليل مطران رحلة الشمس نحو المغيب وصفا مبهرا وجميلا ، كان من ضمنه أنها تقطرت كالدمعة الحمراء وقد امتجزت بمدامعه لترثيه ، فكانت آخر دمعة للكون ، شكلت ارتباطا متناغما ، رسم لوحة نهاية حياة الشاعر بنهاية النهار .
الأساليب البلاغية في قصيدة المساء:
يقول الشاعر خليل مطران :
دَاءٌ أَلَمَّ فخِلْتُ فيهِ شِفَائي * من صَبْوَتي ، فتَضَاعَفَتْ بُرَحَائي
ويقول :
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ * وَالقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ
وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي * كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائي
إذا تأملنا قول الشاعر : داء ألم ، النهار مودع ، خواطري كلمى ، نجد أنها كلها عبارات مجازية . فالداء لا يلم ، والنهار لا يودع ، والخواطر لا تجرح . وهذا ما يسمى بالمجاز العقلي .
كذلك لجأ الشاعر إلى التشبيه ، للضرورة التصويرية التي طغت على قصيدة ‘ المساء ‘ ، فشبه عقله بالمصباح ، والروح بالنسيم ، ومرضه بالضعيف المستبد .
خاتمة:
قصيدة المساء للشاعر خليل مطران ، قصيدة شجية ، بث فيها صاحبها لواعج وآهات نفسه وقلبه ، وأودعها أحاسيسه ، كما هي ، مكتوية بنار الآلام المبرحة ، والأوجاع المضنية ، والحرمان القاسي ، فكانت بذلك صورة معبرة أصدق تعبير عن خوالج نفسه المعذبة .
ولقد أبان الشاعر على مقدرة لغوية ونفس طويل في قصيدته ‘ المساء ‘ ، ولن نستغرب من ذلك ، إذا عرفنا أن شعر خليل مطران ، هو وليد شاعرية فذة نشأت بين أحضان الطبيعة اللبنانية ، ونمّاها الذوق الأوروبي ، ولولا بعض الألفاظ الصعبة ، لأمكننا القول أنه بحر لينة أمواجه .
ولا عجب في ذلك فقصيدة المساء ، خير دليل على أن صاحبها لين بقدر ما تقسو عليه الحياة وتتوالى عليه مصائب الأيام ، فوجدانيته الخفاقة رفرفت بجناحيها كطائر جريح ، يشدو تغريدة ملؤها الحزن والألم .
.