0 تصويتات
في تصنيف حلول مناهج التعليم بواسطة

شرح وتحليل قصيدة غرفة الشاعر 

لعلي محمود طه

هلاً بكم طلاب وطالبات في موقع الحل المفيد الموقع الإلكتروني التعليمي يسرنا أن نطرح بين يديكم إجابة السؤال القائل شرح وتحليل قصيدة غرفة الشاعر 

وتكون اجابتة الصحية والنموذجية للسؤال هي 

‏ · 

تحليل قصيدة غرفة الشاعر 

لعلي محمود طه

لقد وُلِدت الحركة الرومانسية في حضن تمرُّد عارم ضد مدرسة "البعث والإحياء"، التي قلَّدت النموذج الشعري القديم، وغيَّبت الذات الشاعرة؛ فكانت هذه النقطة بمثابة القطرة التي أفاضت كأس الرومانسيين، فتدفَّق ماءُ وِجدانهم، وكانت الذات عندهم مَنبع الإبداع الشعري، فبالإضافة إلى عامل التمرد على التقليد، كانت هنالك عوامل أخرى أسهمت في الالتفات إلى الذات الإنسانية؛ كاطِّلاع الشعراء الرومانسيين على الفكر الرومانسي الغربي، ثم الظروف التاريخية التي مرَّ بها المصريون في آخر القرن التاسع عشر، وقد انقسم سؤال الذات إلى مدارسَ وتيارات؛ أهمها: "مدرسة الديوان" التي كان وراءها "عباس محمود العقاد"، و"عبدالقادر المازني"، و"عبدالرحمن شكري"، وقد انبَنَت هذه المدرسة على مفهوم "الوجدان"، ثم "التيار المهجري" الذي يتشعَّب بدوره إلى "الرابطة القلمية" التي كانت في أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة الأمريكية)، و"العصبة الأندلسية" التي تمركزت في أمريكا الجنوبية (البرازيل)؛ وأهم شعراء التيار المهجري "ميخائيل نُعيمة"، و"جُبران خليل جُبران".

ثم إن المدرسة الثالثة تمثلت في "جماعة أبولو" التي أسَّسها "أحمد زكي أبو شادي"، وانضم إليها الشاعر التونسي "أبو القاسم الشابي"، و"علي محمود طه" الذي نحن بصدد دراسة قصيدته المعنونة بـ(غرفة الشاعر).

وانطلاقًا من العنوان الذي جاء جملة اسمية؛ فـ"غرفة": خبر لمبتدأ محذوف، تقديره "هذه"، و"غرفة": مضاف، و"الشاعر": مضاف إليه، ويعكس هذا العنوان تقوقعَ الشاعر على ذاته، ولزومه لغرفته، وبانطلاقنا من مؤشر العنوان، ومؤشر تنوُّع القوافي، ونظام المقاطع، وظاهرة "التدوير"؛ يمكن أن نفترض أننا أمام قصيدة رومانسية؛ سوف يتحدث فيه الشاعر المصري "علي محمود طه" عن ذاته المنكسرة، فما المضامين الذاتية في القصيدة؟ وما الحقول المعجمية الواردة في النص الشعري؟ وما البنية الإيقاعية التي أفرغ فيها الشاعر معاناته الذاتية؟ وكيف صوَّر الشاعر وجدانه في القصيدة؟ وإلى أي حد تنتمي القصيدة إلى الشعر العربي الحديث المعبر عن سؤال الذات؟

وبِوُلوجِنا إلى جوِّ النص ومضمونه، نجد أنه يتكون من المضامين والوحدات الآتية:

• الوحدة الأولى (المقطع الأول): ذكر الشاعر لمعاناته الذاتية.

• الوحدة الثانية (المقطع الثاني): وصف الشاعر للأشياء الموجودة في الغرفة، ومدى تأثرها بنفسيته.

• الوحدة الثالثة (المقطع الثالث): مناجاة الشاعر لذاته، ومحاولته فَهْمَ ما يحصل له.

• الوحدة الرابعة (المقطع الرابع): استنهاض الشاعر لِهمَّته لتجاوز معاناته، بنزوعه إلى النوم.

إذا كان هذا عن الأفكار الجزئية؛ فإن المضمون العام ينحصر في تجسيد الشاعر لحالته النفسية، ونظرته السَّلبية للحياة التي ترتبط عنده بالختل والزيف.

وبعودتنا إلى لغة النص يتَّضح أن معجم القصيدة يتوزَّع إلى حقلين معجميين دلاليين دالين؛ هما (حقل الذات)، و(حقل الغرفة)؛ وهذا ما يجسده الجدول الآتي:

حقل "الغرفة"

حقل "الذات"

غرفتك - سكون - الفراش - السراج - ضوئه - الموقد - بقايا النيران...

الكئيب - شجونك - الحزين - لستَ - أجفانك - أحزانك - جبينك - موهوب...

وانطلاقًا من جرْدنا للحقلين المعجميين، نجد أن العلاقة بين "الذات" و"الغرفة" علاقة انسجام، بحيث يرى الشاعر "علي محمود طه" أن كل ما في الغرفة منسجمٌ مع ذاته، ونلحَظ أن لغة القصيدة لغة وِجدانية نابعة من بواطن النفس، لم يلجَأ فيها الشاعر إلى المعجم، كما هو الحال عند شعراء "مدرسة البعث والإحياء" الذين كانت لغتهم منعزلةً عن نفسيتهم وواقعهم، فإن عكس ذلك كان الشاعر الرومانسي؛ إذْ لغته تعبِّر عن الزمن النفسي للحظة الإبداعية، فهو يغمس ألفاظ قصيدته في محبرة وِجدانه، فتظهر لك اللغة رقراقة منسابة، وهامسة بعيدة عن الجزالة والفخامة.

إذا كان هذا عن لغة النص والمعجم اللغوي المرتبط بالحقلين السابقين؛ فإن الشاعر قد حاول تفريغ هذه اللغة الوجدانية في قالب إيقاعي منسجم مع الذات الشاعرة؛ وهذا ما يعبِّر عن التحليل الإيقاعي الخارجي الآتي:

إذا كان هذا عن البنية الإيقاعية الخارجية للقصيدة؛ فإن البنية الداخلية قد تمثَّلت فيما يلي:

وقد أضفى التَّكرارُ جرْسًا موسيقيًّا على جوِّ القصيدة، كما قام بترسيخ بعض من الأفكار الذاتية، وقد قيل: "الشيء إذا تكرَّرَ تقرَّرَ"؛ أي: ترسَّخ، وثبَت في ذهن المتلقي؛ كما نجد في القصيدة ترادفًا يتجلى فيما يلي:

ثم إن القصيدة حافلة بالجناس الذي أضفى عليها نمنمات وتموجات موسيقية أثَّرت على وِجدان المتلقي، ويظهر ذلك في الآتي:

وقد جاءت في القصيدة بعض الطباقات التي عكست التناقضات الموجودة في الذات الرومانسية، ومثال ذلك:

(ليل≠ نهار)/(الارتعاش≠ الدفء)

ويَحْفُلُ النص الشعري بالتوازي الصوتي، والتركيبي؛ حيث يوجد في القصيدة أنموذجٌ هو كالآتي:

إن هذا التوازي التركيبي قد خَلَقَ توازيًا صوتيًّا، بحيث إنه أضفى جرْسًا موسيقيًّا يبقى عالقًا بين طبلات الأُذن عند إنشاد القصيدة.

وبنزوعنا إلى دراسة البنية الأسلوبية، نقف على أن الشاعر "علي محمود طه" قد مزَج بين الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي؛ فقد وظَّف الأسلوب الخبري لينقل مكنوناته؛ انطلاقًا من حفره في بواطن النفس الكئيبة، واستخراج كنوزها الموجودة تحت أنقاض أتربة الذات، ومن نماذج هذا الأسلوب: يد تمسك اليراع - أنت أذبلت بالأسى قلبك - فم ناضب... أما الأسلوب الإنشائي، فقد اتَّكأ عليه الشاعر؛ ليقنع القارئ أن الذات هي موطنُ الشعر، والكاتمة لأسراره، ويمكن أن نمثِّل لذلك بما يلي:

ونُتْبِعُ دراسة الأسلوب بدراسة الصورة الفنية؛ حتى تكتمل دائرة الفَهم للذات الرومانسية، بحيث نُطِلُّ إطلالة خفيفة على بئر القصيدة؛ فتطفو على السطح صور استعارية، ومن ذلك ما نجده في البيت الثامن؛ حيث استعار الشاعر "البكاء" من عالم الإنسان، وألْحَقه بالحياة على سبيل الاستعارة المكنية، إذْ حُذِفَ المستعار منه "الإنسان"، وبقي شيء من لوازمه الذي هو "البكاء"، وهو قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقة، وبقِي كذلك المستعار له الذي هو "الحياة"، ونستطيع أن نوضِّح ذلك في الترسيمة الآتية:

ونخلُص - انطلاقًا من النموذج أعلاه - إلى أن هذه الصورة نابعةٌ من ذات الشاعر، وقد كان الشعراء الرومانسيون يَختلقون الصور، ويُبدعونها اعتمادًا على مكونات وِجدانهم، فالصورة عندهم ممزوجة بسياقها النفسي والمكاني، بحيث إذا انتزعنا الذات الشاعرة من الصورة، فلا نكاد نحصل على شيء يُذكَر، والشاعر "علي محمود طه" يصوِّر الحياة كامرأة تبكي، وليستْ تلك الحياة إلا حياة الشاعر الكئيب المنكسر، والطائر المغرِّد الحزين "علي محمود طه".

كانت هذه وقفة أشبهَ بقبسة العَجلان عند النص الشعري المعنون بـ"غرفة الشاعر"؛ فمن حيث مضمون القصيدة، فهو مضمون ذو طابع رومانسي، ولا يتعلَّق بالأغراض القديمة، فموضوع القصيدة موضوع نابعٌ من الذات الإنسانية، وقد رأينا أن الشاعر قد احتفل بذاته، واعتبر أن الشعر نابعٌ من الذات بهمومها وانكساراتها، وتأمُّلاتها الفلسفية في الوجود، فالقصيدة تحمل تحت جناحيها نزعة فلسفية، كيف لا والشاعر "علي محمود طه" قد تأثَّر بالفلسفة الرومانسية الغربية؟!

أما من حيث الشكل، فهناك اختلاف جزئي على ما كان عليه الشعراء الإحيائيون، فقد حافظ الشاعر على نظام الشطرين، إلا أنه نوَّع في القوافي هروبًا من رتابة الإيقاع الواحد، وهذا التنوع في القوافي مَرَدُّه إلى النفس التي بطبعها تَميل إلى التجديد، وتَمقت التَّكرار المُمِلَّ، كما اعتمد الشاعر ظاهرة "التدوير"؛ لأن نفسية الشاعر منكسرة انكسار الكلمة نفسها، وقد وظَّف بعضًا من الأساليب الإنشائية التي أثَّرت فينا نحن المتلقين، حتى كدنا نُشارك الشاعر همومَه وما يختلج ذاته!

وإلى هنا نؤكِّد أن الفرضية التي طرحناها في السابق، هي فرضية صحيحة، وبذلك قد استحق شاعرنا أن نُدخله في شعر سؤال الذات؛ لأنه أمتعنا وأقنَعنا.

.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
شرح وتحليل قصيدة غرفة الشاعر

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
1 إجابة
مرحبًا بك إلى الحل المفيد، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...