ما طبيعة العلاقة بين الملاحظة والتجربة؟ المقال: بطريقة المقارنة
في موقع،{{ الحل المفيد}}، نطرح عليكم طلاب وطالبات bac البكالوريا للسنة أولى والثانية والثالثة ثانوي ملخص شرح تحليل وتحضير النصوص والمقالات الفلسفية باك 2023 2024 جميع الشعب كما نقدم لكم الأن أعزائي التلاميذ إجابة السؤال الفلسفي القائل... _____ما طبيعة العلاقة بين الملاحظة والتجربة؟ المقال: بطريقة المقارنة
_إجابة السؤال هي
نص السؤال: ما طبيعة العلاقة بين الملاحظة والتجربة؟ المقال: بطريقة المقارنة.
إذا كان الإنسان يتميز عن بقية الكائنات بالعقل وبواسطته يستطيع التفكير، هذا الأخير يختلف من الإنسان العادي الذي يفكر تفكيرا عاميا إلى العالم الذي له تفكير علمي يقوم على دراسة الظواهر باستخدام المنهج التجريبي، قصد الوصول إلى اكتشاف القوانين التي تتحكم فيها من أجل التنبؤ بها، وهذا المنهج العلمي يتكون من العديد من الخطوات أهمها الملاحظة والتجربة، وكثيرا ما يلتبس الأمر على الكثيرين بشأن هاتين الخطوتين فمنهم من تخدعه مظاهر التشابه بينهما فيحكم بأنهما فكرتان في فكرة واحدة أو وجهان لعملة واحدة، والبعض الآخر قد تخدعه مظاهر الاختلاف بينهما فيحكم بالفصل التام بينهما. من هنا حق لنا أن نتساءل: هل هناك علاقة بين الملاحظة والتجربة؟ وإن وجدت فما نوعها؟ هل هي علاقة تمايز وانفصال أم علاقة تكامل واتصال؟ وبعبارة أخرى: هل يمكن التمييز بين الملاحظة والتجربة؟
للإجابة عن التساؤلات السابقة نجد بأننا إذا نظرنا إلى كل من الملاحظة والتجربة من زاوية نظرية وبشكل أخص من ناحية التعريف نلاحظ وجود اختلافات وفروقات شتى بينهما أهمها: أن الملاحظة العلمية بالتعريف والذي يكاد يتفق عليه سائر الباحثين هي مشاهدة الظواهر ومراقبتها بالذهن والحواس على ما هي عليه بالذات رغبة في الكشف عن خصائصها وتحويلها إلى جملة من المفاهيم أو الظواهر العلمية. ومعنى هذا أن الملاحظ يسجل الظواهر كما تمنحها له الطبيعة. حتى لا يعدو أن يكون مجرد آلة فوتوغرافية أمينة. يقول "كلود برنار": "ندعو ملاحظا ذلك الذي يستعمل طرق الاستقصاء البسيطة أو المركبة في دراسة الظواهر دون أن يتدخل في مجرى هذه الظواهر، بل يستقبلها كما تقدمها له الطبيعة". مثال ذلك: "باستور" لاحظ ظاهرة تعفن اللحم أي شاهدها كما تحدث في الطبيعة. وفي مقابل ذلك يدعى العالم عالما تجريبيا، كل من يستخدم طرق الاستقصاء البسيطة أو المركبة من أجل تغيير أو تعديل الظواهر لهدف ما وبغية إظهارها في الظروف التي لا تقدمها له فيها الشروط الطبيعية. يقول كلود برنار: "ونطلق صفة المجرب على من يستعمل طرق الاستقصاء البسيطة أو المركبة لتغيير أو تعديل الظواهر الطبيعية...ويستحدث تلك الظواهر في ظروف أو في شروط ليس من شأن الطبيعة أن تقدمها فيها". مثال ذلك: لويس باستور في تجربته حول ظاهرة تعفن اللحم حيث قام باستحداث هذه الظاهرة في المخبر حيث أتى بمجموعتين من القارورات وملأها بمرق اللحم... ومعنى هذا أن العالم التجريبي (المجرب) يسجل الظواهر التي يخلقها هو نفسه أو يحددها. وعليه نجد أن الملاحظ يقف منفعلا أمام ما تمليه عليه الطبيعة. أما المجرب، فإنه على العكس من ذلك، يشارك في صناعة الأشياء والظواهر مشاركة مباشرة أو فعالة إذ أنه لا يستمع إلى ما تقوله الطبيعة من تلقاء نفسها، بل إنه يستجوبها إلى أن تنطق. فالعالم المجرب في التجربة العلمية يلاحظ الطبيعة في ظروف أعدها هو ليلتقط أخبارها، فيعزل أو يضيف مثلا، هذا العنصر أو ذاك ليرى ما يكون من أثر في حالة العزل أو الإضافة. ولقد نوه إلى هذا التمييز بين الملاحظة والتجربة، العالم "زيميرمان" حين قال: "تختلف التجربة عن الملاحظة في أن المعرفة التي تعطيها لنا الملاحظة تبدو أنها تتقدم طوعا من تلقاء نفسها. في حين أن الملاحظة التي تمدنا بها التجربة هي ثمرة بعض المحاولات التي نقوم بها قصد التحقق من وجود الشيء أو عدم وجوده"، أي أن الملاحظة في رأيه تكون ملاحظة الأشياء أو الحوادث كما تقدمها لنا الطبيعة عادة. بينما التجربة تكون ملاحظة للحوادث التي يخلقها العالم التجريبي. إذن، إذا كانت الملاحظة تحليلا منفعلا للظواهر كما هي في الطبيعة، فإن التجربة نوع آخر من الملاحظة يتصرف فيها العالم تبعا لتدبير ذهني يرمي إلى التثبت منه. وإذا كانت الملاحظة استقصاء ظاهرة طبيعية، فإن التجربة استقصاء ظاهرة أدخلت عليها تعديلات من لدن العالم التجريبي. شتان إذن ما بين أن يلاحظ العالم ما يجري في الطبيعة وبين أن يدرس الطبيعة في مخبره. ولكن هل هذا يمنع من وجود نقاط تشابه واتفاق بين الملاحظة والتجربة؟
صحيح أن هناك اختلافات وفروقات عديدة بين الملاحظة والتجربة والتي قد توحي لنا ولأول وهلة بالفصل التام بينهما. لكنها من جهة أخرى لا تمنع من وجود نقاط اتفاق وتشابه بينهما. حيث نجد أن كلاهما يخص العالم، الذي يقوم بملاحظة الظواهر ملاحظة علمية، بالإضافة إلى أنهما خطوتين من خطوات المنهج التجريبي العلمي الذي تسعى مختلف العلوم سواء كانت تجريبية أو بيولوجية وحتى العلوم الإنسانية إلى استخدامه، والذي يعتمد
على مراحل أهمها الملاحظة والتجربة، ومن جهة أخرى نجدهما يعتمدان على وسائل تقنية. لأن كلا من الملاحظ والمجرب يستعين بأجهزة وآلات تقنية: كالمجهر والمنظار...وهذا من أجل تدقيق الملاحظة، كما أن
الحواس قد تخدع الإنسان. يقول "كلود ربنار": "لا يستطيع الإنسان ملاحظة الحوادث التي تحيط به إلا في حدود ضيقة جدا، لأن القسم الأعظم منها ينفلت من حواسه بطبيعة الحال، والملاحظة البسيطة لا تكفيه. ولتوسيع معارفه، قد وسع بواسطة أجهزة خاصة من قوة أعضائه، كما أنه جهز نفسه بأدوات متنوعة مكنته من التغلغل داخل الأجسام لتفتيتها ودراسة أجزائها الخفية". هذا، ودون أن ننسى أن الملاحظة في واقع أمرها كالتجربة تقوم هي الأخرى على نشاط العقل. فأينما تحققت كانت مصطحبة بالتفسير. فالملاحظة العلمية ليست مشاهدة اعتباطية، بل إنها تقصد إلى بناء الحادثة العلمية ولا تريد أن تكون تسجيلا آليا للظواهر. فهي لا تأخذ مدلولها إلا داخل مجموعة من الأفكار. من هنا يتجلى لنا المبرر الذي يدفعنا إلى رفض الفصل القاطع بين الملاحظة والتجربة، لأن كلا منهما مشاهدة للحوادث مصحوبة بانتباه بغية استجلاء بعض خصائصها. إلا أن التجربة ملاحظة مستثارة. وعلى العالم أيضا أن لا ينسى في الملاحظة والتجربة خبرته ويمحو كل ما اكتسبه. لأن الإنسان إذا تجرد من كل فكرة فيما يقول "هوسي" عجز عن تثبيت أبسط الحوادث. فكثيرا ما ضل العلماء في أبحاثهم لعدم اعتمادهم على أفكارهم السابقة. على أن الأفكار التي تسبق الملاحظة أو التجربة لا يجب أن تحول بينهم وبين التقاط الحادثة التقاطا جيدا. وعلى هذا الأساس يحق لنا القول بأنه ليس هناك فرق جوهري بين الملاحظة والتجربة. فكلاهما تريد الوصول إلى معرفة العلاقات الثابتة بين الظواهر ومن ثمة التحكم في هذه الظواهر.
لا شك أن التمييز بين نشاط العالم التجريبي ولا مبالاة الملاحظ يبدو واضحا ومشروعا عند الناظر السطحي الذي يأخذ الأشياء في صورتها الظاهرية. إلا أن هذا التمييز لم يعد له مبرر متى هبطنا به إلى الواقع العملي. ففي الاستقصاء قد يجتمع معا نشاط الفكر والحواس إما من أجل القيام بالملاحظات أو من أجل القيام بالتجارب أي إننا نجد العمليتين، الفكرية والحسية في الملاحظة وحدها أو في التجربة فقط. وإذا نظرنا إلى الملاحظة والتجربة من زاوية الوظيفة نلاحظ بأن هناك علاقة تداخل بينهما، والتي تظهر في مدى تأثير كل منهما على الأخرى: فالملاحظة تؤثر على التجربة: أي أن التجربة تحتاج إلى الملاحظة لأن التجريب نوع من الملاحظة، بدليل أن المجرب حين يصطنع الظاهرة في المخبر عن طريق ظروف خاصة فإنه يضطر إلى مشاهدتها مرة أخرى، فإذا عدنا إلى المثال السابق فإننا نكتشف بأن "باستور" حين استحدث ظاهرة تعفن اللحم في المخبر فإنه بعد أسابيع لاحظ مرة أخرى هذه القارورات وشاهدها. كما أن التجربة بدورها تؤثر في الملاحظة أي أن الملاحظة تحتاج إلى التجريب بدليل أن الملاحظة وحدها غير كافية للوصول إلى القوانين. والعالم إذا قام بالملاحظة أو بالتجربة أو بهما معا. فذلك من أجل التثبت من الفرض أو الفكرة التي توجهه في بحثه، أي من أجل الوقوف على القوانين التي تسير الحوادث. ومنه فالعلاقة بينهما هي علاقة تكامل وظيفي. (مع إبراز الرأي الشخصي وتبريره).
ختاما ومما سبق يمكننا القول أن مفهوم الملاحظة لا يبتعد اليوم عن مفهوم التجربة. وإذا وجدنا بينهما اختلاف أوحي لنا لأول وهلة بالفصل التام بينهما، فذلك التمييز والاختلاف يبقى صالحا من الناحية النظرية أو لأغراض منهجية. لأن الملاحظة تقوم هي الأخرى على نشاط العقل وقد تلعب دور التجريب. ولأن التجريب في واقع أمره ليس سوى نوع آخر من الملاحظة، ثم إن للملاحظ والمجرب، فيما يرى "كلود برنار" هدفا واحدا مشتركا، وهو إدراك الحوادث وضبطها بالوسائل العلمية الدقيقة. والفرق الوحيد بينهما هو أن المجرب لا يدرك الحوادث كما هي عليه في الطبيعة، بل يدركها في شروط يهيئها هو نفسه لغرض علمي محدد. يقول "كلود برنار": "إن الملاحظ يصغي إلى الطبيعة، أم العالم التجريبي فيسألها ويرغمها على الكشف عن نفسها"