خطبة موضوع عن غزوة الأحزاب ( الخندق) في شهر شوال ملتقى الخطباء
خطبة غزوة الأحزاب ( الخندق) في شهر شوال ملتقى الخطباء
في ذكري غزوة الأحزاب ( الخندق) في شهر شوال
عناصر الموضوع
1_حاجة المسلمين إلى مراجعة أحوالهم
٢ _سنة التثبيت ٣ _ مجريات غزوة الأحزاب وما ظهر فيها من معجزات
٤_ أهمية الصبر والمصابرة
الموضوع
الحمد لله العزيز الوهاب، مجري السحاب ومسبب الأسباب وهازم الأحزاب
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق الإنسان من تراب, أمات وأحيا، خلق فسوى، وقدَّر فهدى الي الصواب
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، هادم كيان الوثنية ورافع لواء الحنيفية وهادي الخلق من ظلمات الجاهلية إلى نور الشريعة المحمدية، وشافعنا يوم المآب
صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الذين نصروا شريعته وأحيوا سنته ورفعوا رايته وماتوا على ملته الي يوم الحساب .
أما بعد:
فإننا في زمن تكالب العدو علي أمة الإسلام واصبحنا كغثاء السيل كما أخبر الحبيب المصطفى مما أخبره الله -جل وعلا- به من غيب سيكون في قادم الأزمان بعد عصره، وبعد وفاته فيما رواه أبو داود في سننه عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأمم أن تداعي عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أمن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن قيل: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)) رواه أبو داود والبيهقي في الدلائل
ولله در القائل
ترانا حيارى ضيع الخُلف ريحنا
خُطانا على الدرب الطويل تعثرا
وعشنا على سطح الحياة اذلة
وكنا حداة الركب نحيا فى الذرا
كأن هموم الدهر حطت بأرضنا
وخيم الظلم والبطش ادهرا
يهـ،ودا وسلاب ا الحياة تأمروا
على الأرض والإنسان حتى تقهقرا
وعادت أساليب ال يـ،هود خسيسة
تعيد إلى الدنيا ثقيفا وخيبرا
أيّها المسلمون: في زمنِ الضّعف والانكسار، وحينما يشتدّ على الأمّة الحصار، حين تدلهمّ الخطوب وتشتدّ الكروب، قد تتضعضع القلوب حتى يقول المؤمنون: متى نصر الله؟!
وإنّ هذه الحالَ الشديدة أقربُ ما تكون انطباقًا على حال المسلمين اليَومَ وقد عصفت بهم المحَن وأحاطت بهم الفِتن، في هذه الأوقات ما أحوجَ المسلمين إلى مراجعةِ أحوالهم والترتيب لحسنِ مآلهم، ما أحوجَنا إلى أسبابِ الثبات وما يُمسِّكنا بدينِنا حتى الممات، فتلك سنّة الله مع رسولِه -صلى الله عليه وسلم- والصحبِ الكرام، حين تشتدّ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبِه الكربات يثبِّته ربُّ الأرض والسموات بما شاء من أسباب الثّبات، ومن ذلك سِيَر الأنبياء والمرسَلين وقَصَص الأوّلين والآخرين وخَبر العواقِبِ الحسنى للمتقين: (وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [هود: 120].
فلا تنتظروا النصر من الرافضة لاعني الأصحاب فإنهم اقرب لليهود من قربهم منكم
ولا تنظروه من الغرب الكافر أو الشرق الملحد إنما التزموا بكتاب ربكم وسنة نبيكم واعتمدوا علي سواعدكم في نصر غزة ونصرة المسلمين في كل مكان
أيّها المسلمون: واقتداءً بهذا السَّنن الإلهيّ نعرض اليومَ إلى ذكر واقعةٍ شديدةٍ على المسلمين وأيّامٍ عصيبة مرّت بالنبيّ والمؤمنين، كانت عاقبتها نصرًا وتمكينًا بعد أن امتحَن الله القلوبَ وميّز المؤمنين من المنافقين، إنها غزوةُ الخندق التي سمّاها الله تعالى بالأحزاب، وأنزل فيها سورةً تُتَلى إلى يومِ الدين والمآب.
لقد وقعَت في مثل هذا الشّهر في شوال سنة خمسٍ للهجرة، وذلك أنّ نفرًا من يهودِ بني النضير سعَوا كما هي عادَة اليهود، فخرجوا لمكّةَ واجتمعوا بأشرافِ قريش، وألَّبوهم على حربِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو جل ما يحدث الآن بيد أنهم يفعلون الان بأيديهم والكل يساندهم
بل ووعدوهم بالنّصر والإعانة، فأجابوهم لذلك، ثمّ خرجوا إلى غطفان فدعوهم وأَغرَوهم، فاستجابوا لهم أيضًا، وخرَجت قريش في أحابِيشِها ومن تابَعها من أهلِ تِهامة وغيرهم، وكذا غطفان، والجميع يفوقون عشرةَ آلاف، وحاصَروا المسلمين مِن نواحي المدينة، واستشار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه، فأشار سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- بحفرِ الخندَق، فقبِل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مشورَتَه، وقرَّر المسلمون التحصُّنَ في المدينةِ والدفاعَ عنها، وأمَر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بحفرِ الخندق في السّهل الواقع شمالَ غربِ المدينة، وهو الجانِب المكشوف، وقسَم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الخندقَ بين أصحابه لكلّ عشرةٍ منهم أربعون ذراعًا، وطوله قريبٌ من خمسةِ آلاف ذِراع.
فخندقوا الان ايها المسلمون حول أنفسكم كما فعل حبيبكم وأصحابه لكن بكل عتاد وسلاح واتحاد وإيمان
لقد عمل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابِه في حفرِ الخندق، ودأب فيه ودأبوا في بردٍ شديد وجوعٍ عتيد، يقول أبو طلحة -رضي الله عنه-: شكَونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجوعَ ورفعنا عن بطونِنا عن حجرٍ حَجر، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بطنِه حجَرين، ومع ذلك كانوا صابرين ثابتين يحمَدون الله ويذكرونه ويرتجزون؛ عن أنس -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصارُ يحفرون في غداةٍ باردة، فلمّا رأى ما بهم من النصب والجوع قال:
اللـهمّ إنّ العيش عيشُ الآخرة *** فاغفر للأنصار والمهاجرة
فقالوا مجيبين له:
نحن الذيـن بايعوا محمّدًا *** على الجهادِ ما بقينا أبدًا
رواه البخاري ومسلم.
وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ينقل الترابَ يومَ الخندق حتى اغبرَّ بطنه. متفق عليه. وفي الصحيحين عنه -رضي الله عنه- أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يرتجِز بكلماتِ ابنِ رواحة وهو ينقل الترابَ يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا *** ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزِلَن سكيـنةً علينا *** وثبِّت الأقدامَ إن لاقَينا
إنّ الأُلى قد بَغَوا علينا *** إذا أرادوا فتنـةً أبَينا
يمدّ صوته بآخرها.
وقد ظهرَت المعجِزات في حفرِ الخندق، منها ما جاءَ في الصحيحين أن جابرَ بنَ عبد الله -رضي الله عنه- لما رأى ما بالنّبيّ -صلى الله عليه وسلم- من الجوعِ والخَمصِ الشّديد صنع طعامًا يكفِي لبضعةِ نفر ودعا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- إليه، عند ذلك نادَى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أهلَ الخندق: "ألا إنّ جابرًا قد صنع سورًا"، وقال: "ادخلوا ولا تضاغَطوا"، فأكَلوا كلُّهم حتى شبِعوا والطعامُ على حاله ولم ينقص
جاء في بعض الروايات في غير الصّحيحين أنهم كانوا قريبًا من ألفِ رجل.
وعرضت للمسلين صَخرة عظيمةٌ شديدة لا تأخذ فيها المعَاوِل، فأتى إليها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وسمّى الله وضربها ثلاث ضربات، فعادت كثيبًا أهيَل وقال: "الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيحَ الشام، كأني أنظر إلى قصورها الحمراء. الله أكبر، أُعطيت مفاتيحَ فارس، والله إني لأبصِر قصرَ المدائن الأبيض. الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيحَ اليمن، والله إني لأبصِر أبوابَ صنعاء من مكاني الساعةَ". هذا والمسلمون في شكٍّ من حياتهم، قد عضَّهم الجوع وآذاهم البَرد وأحاط بهم العدوّ، ونجم النِّفاقُ حتى قال بعض المنافقين: ألا ترونَ إلى محمّد يدّعِي أنه يُعطَى ملكَ فارس والروم وأحدُنا لا يأمَن على نفسه أن يذهبَ إلى الغائط، وذلك حين يقول الله -عز وجل-: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا) [الأحزاب: 12].
يتبع في الأسفل ...