مقال فلسفية معرفة الذات والوعي
الطريقة جدلية:"هل معرفة الذات تتوقف على الوعي أم عن طريق الغير"
نرحب بكم زوارنا الاعزاء على موقع الحل المفيد alhlmfid.com موقع كل الحلول والاجابات والمعلومات الصحيحة في شتى المجالات التعليمية والثقافية والاخبارية يسرنا بكم أعزائي الزوار طلاب وطالبات في صفحة الحل المفيد أن نقدم لكم إجابة سوالكم وهو السؤال الذي يقول..الطريقة جدلية:"هل معرفة الذات تتوقف على الوعي أم عن طريق الغير
المقدمة:
يدرس علم النفس التقليدي الإنسان من ناحية أنه كائن حي يريد و يرغب و يفكر ويشعر،أي مختلف الظواهر النفسية التي يعيشها الانسان في حياته اليومية، و بما أنه كائن مدني بطبعه يعيش مع غيره من الناس في تفاعل و تكامل وفي تنافر و تجاذب وفي حركته هاته،يحصل له ادراك ذاته، وفي الوقت نفسه يتميز بها عنهم ولقد كان الإختلاف الكبير بين الفلاسفة حول معرفة الذات بين الوعي بها أو معرفتها عن طريق الغير حيث يرى البعض من الفلاسفة انني اتعرف على ذاتي بإستقلالي وانفصالي عن الغير ويرى البعض منهم أن تعرفي على ذاتي من خلال توحدي مع الغير وبواسطتهم،و الإشكال الذي يطرح نفسه: هل معرفتي لذاتي تكون عن طريق الوعي بها؟ أم عن طريق الغير ؟
التحليل:
الموقف الأول:"الوعي و الإستبطان أساس معرفة الذات
إن معرفة الذات تكون عن طريق الوعي و الإستبطان ذلك أن الإنسان يعرف ذاته بذاته دون اللجوء إلى غيره ،فالوعي هو الذي يحدد معرفة الذات و يعبر عن حقيقتها ولهذه الأطروحة العديد من المناصرين من أمثال : السفسطائية،ديكارت،هنري برغسون،دوبران سارتر،هوسرل وغيرهم من الفلاسفة.
حيث تذهب حيث تقول السفسطائية "أن الإنسان معيار كل شيء" وعليه فهو الذي يعي وجوده و يعرف ذاته بذاته لأنه معيار كل شيء.
و هذا ما يذهب إليه أيضا الفيلسوف الفرنسي ديكارت في أن الذات الإنسانية تدرك نفسها بذاتها و هذا ما يؤكده في قوله "أنا أفكر إذن أنا موجود" فالأنا تعي ذاتها بذاتها وتدرك وجودها من تلقاء ذاتها لذلك فالأنا ليست في حاجة إلى وساطة الغير لتأكيد وجودها ووعيها بذاتها حقيقة يقينية بديهية لا يمكن الشك فيها و ليست في حاجة إلى وساطة الغير لإثباتها مما يجعل الأنا عند ديكارت حقيقة يقينية و ذات منعزلة مستقلة ومنغلقة أما الغير فوجوده افتراضي احتمالي.
و الرأي نفسه عند الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون الذي يؤكد على أن الإنسان يشعر بذاته عن طريق الحدس أو المعرفة المباشرة وبالشعور يتحقق الكائن الحي الواعي من وجوده في العالم،فالإنسان ليس كتلة من الغرائز كما هو الشيء لدى الحيوان،بل هو كائن واع لأفعاله،وعن طريقه يشعر بما يدور في ذاته من أفكار و عواطف و ذكريات،وبه يدرك أنه موجود له ماضي و مستقبل، و أن العالم من حوله يوجد كذلك ،وأن الأنا يتأسس كموجود بواسطته ،ومن هنا لا يخرج الوعي عن أن يكون و عيا بالذات أو وعيا بالموضوع، وبالشعور يتحقق الكائن الواعي كوجود في العالم و ذلك عن طريق الحدس.
و هذا ما يعبر عنه الفيلسوف الفرنسي الآخر دوبران بقوله "قبل أي شعور بالشيء، فلا بد من ان للذات وجود" فالإنسان يستطيع أن يتعرف على ذاته عن طريق الإستبطان أو التأمل الذاتي وهو ملاحظة داخلية لما يجري في النفس حيث ينقلب إلى شاهد على نفسه ليعلم أن له ذاتا حقيقية هي التي يبدو بها أمام الناس المخالفة للآخرين جسميا و نفسيا و أخلاقيا بواسطة اللغة،فالأنا هو شعور الذات بذاتها ،ويقول أيضا" أن الشعور يستند إلى التمييز بين الذات الشاعرة والموضوع المشعور به" فشعور الإنسان مثلا بالحزن هو شعور ذاتي داخلي لا يمكن للغير أن يحس به أو أن يشعر بنفس درجة شعوره هو به.
وهو ما يؤكده زعيم المدرسة الوجودية جانبول سارترمن خلال مقولته المشهورة "الغير هو الجحيم" فالغير يحد من حريتي و من إثبات ذاتي و بما أن الإنسان حيوان عاقل فهو وحده يدرك ذاته بنفسه و يثبت وجوده دون الحاجة إلى غيره.
وهذا ما يذهب إليه أيضا الفيلسوف الوجودي الآخر هوسرل الذي يعتقد بأنه يجب أن تكون الذات الشاعرة واعية لذاتها حتى يمكنها أن تعي الأشياء و العالم الخارجي حيث يقول:" كل شعور هو شعور بشيء".
يقول قابريل مارسيل تتعرف الانا على ذاتها عندما انفصل و تعزل نفسها عن الغير "أضع نفسي داخل دائرة أشكلها بنفسي لنفسي أما الغير أعامله مثل أنت ليس مثل أنا أو هو ذلك يزيدني تفردا باناي مستقلة عن الغير ومتوحدة فيما يبنها وليس مع الغير
النقد:
لقد بالغ أنصار النموقف الأول في ردهم معرفة الذات إلى الوعي فقط، فالمنهج الإستنباطي منهج ذاتي و غير موضوعي وعليه فهو معرفة قاصرة علميا لأنها متحيزة و خالية من النزاهة العلمية فمقياس الصدق هنا هو الشخص الواحد فهو الملاحظ و الملاحظ في نفس الوقت لهذا قيل إن الذات التي تريد رؤية ذاتها كالعين التي تريد رؤية نفسها،
أضف إلى هذا كله أن الإنسان كائن إجتماعي بطبعه ،فهو لا يستطيع العيش بمعزل عن المجتمع، و الحياة النفسية مزيج بين الشعور و اللاشعور و هذا مأكده علم النفس الحديث على يد سغموند فرويد.
الموقف الثاني: الغير هو أساس معرفة الذات:
معرفة الذات تكون عن طريق الآخر ،أي أن شعور الفرد بذاته متوقف على معرفته لغيره ولهذه الأطروحة العديد من المناصرين من أمثال: باركلي،هيجل،ماكس شيلر، واطسون،وغيرهم من الفلاسفة.
حيث يذهب الفيلسوف الإنجليزي بركلي أن التعرف على الذات يكون عن طريق الغير لأن الغير هو الذي يساعدني على تطوير نفسي و معرفتي حقيقة ذاتي، وهذا عن طريق المقارنة بين أفعالنا و المعاني التي تصحبها في ذهننا و بين أفعال الغير،فنستتنج بالتجربة التماثل في هذه الأفعال يننا و بين الآخر و الإختلاف عنه، فالذات تتعرف على نفسها على أنها فردية متميزة عندما تقابل الآخر ،أي أن المعرفة تقتضي وجود الآخر و الوعي به و الإعتراف به،لأن الغير يعتبر أحد مكونات الوجود وأنا جزء من هذا الوجود مما يعني أن الغير يشاركنا الوجود،وهو يقابلنا و يخالفنا.
وهذا ما يذهب إليه أيضا الفليلسوف الألماني هيجل الذي يؤكد على أن معرفة الذات تكون عن طريق الغير وتقوم على العلاقة الجدلية بين الأنا و الآخر ويمكن توضيح هذا المعنى أكثر من خلال جدلية هيجل الشهيرة المعبرة عن علاقة التناقض التي تجمع السيد بالعبد،فالسيد يترفع عن الأشياء المادية وعن العمل و يجعل العبد يقوم بهذه الأعمال ليعبر عن سيادته و علو مكانته،أما العبد فينخرط في العمل و يسخر قدراته للتأثير في الاشياء و تشكيلها و فق إرادته و بالتالي يثبت وجوده من خلال خدمته لسيده، وبهذا يثبت كل واحد منهما ذاته، ومع الوقت يصبح السيد عبدا لعبده لأنه لا يستطيع العيش دونه، ومن هنا يصير كل واحد منهما يدرك حقيقة نفسه و قيمة ذاته.
و اعتبر ماكس شيلر ان التعاطف مع الغير هو الذي يبني العلاقات الاجتماعية و الانسانية وبالتالي تستطيع الانا التعرف على ذاتها، بواسطة الغير،فمشاطرة الغير أفراحهم و أقراحهم تمكن الذات من الإتصال بغيرها و التعرف على ذاتها ،فالتعاطف و الحب ،هما الطريق المعبر عن التواصل الحقيقي بالغير،لأن التعاطف أو المشاركة العاطفية عمل قصدي نزوعي يتجه نحو الغير،مثل:الألم الذي يشترك فيه الأب و الأم عند وفاة إبنهما، و كمشاركة الغير أفراحه و أتراحه.
وهذا ما يؤكد عليه أغلب علماء الإجتماع ومن بينهم نجد الفيلسوف الفرنسي واطسن ،الذي يؤكد على أن الإنسان حيوان إجتماعي بطبعه فهو لا يستطيع العيش في معزل عن المجتمع وهو تابع لهذا المجتمع قلبا و قالبا يقول :" الطفل مجرد عجينة يصنع بها المجتمع ما يشاء"
النقد:
لقد بالغ أنصار الموقف الثاني في ردهم معرفة الذات إلى الغير،ذلك أن لكل ذات خصوصياتها و مميزاتها التي تميزها عن الغير،فلكل ذات كيانها وهويتها الخاصة بها،كما ربط التواصل مع الغير في إطار علاقة التناقض و الصراع لا يؤدي إلى الإعتراف بالآخر بل إلى شيوع قانون الغاب و هو منطق لا يتناسب مع كرامة الإنسان و رقي عقله.
التركيب:
إن معرفة الذات لذاتها تتوقف على الوعي و الشعور،لأن الشعور و الوعي أساس إدراك المرء لما يجول في هذه الذات و تحديد طبيعتها،لكن هذه المعرفة ليست مستقلة عن معرفة الأنا للغير فهذا الأنا لا يحدد ماهيته إلا من خلال معرفته لهذا الأنا الآخر،و عليه فالفرد يعرف ذاته من خلال ذاته ومن خلال تعايشه مع الآخرين.
وحسب رأيي الشخصي فإن معرفة الذات تكون عن طريق الوعي بها و التعامل مع الآـخرين من خلال مجموعة من القيم الأخلاقية التي تقوم على مبدأ التساوي و التعادل مع الآخرين، فالقول بالوعي معناه أن كل فرد يعي أفعاله وسلوكاته و ذاته كونه عاقلا مستقلا عن باقي الأفراد و القول بالغير معناه أن يكون الفرد كائنا إجتماعيا يتفاعل مع باقي أفراد المجتمع وفق الصداقة و الأخوة و التعاون،بعيدا عن التنافر و العنف و الحرب.
الخاتمة:
وفي الأخير نستنتج أن معرفة الإنسان لذاته مرتبطة بوعه بها ذلك أنه حيوان عاقل و مرتبطة بالتعايش مع غيره من خلال التعامل و التواصل معهم من خلال مجموع القيم الخلقية و العادات و التقاليد التي تسير مجتمعهم.
ملاحظة: الخاتمة يجب أن تكون أطول من هذه.