تحضير وتحليل نص في الليل للشاعر بدر شاكر
ملخص السنة الثانية بكالوريا
تحضير وشرح نص في الليل
بدر شاكر السياب
أهلاً بكم زوارنا الكرام على موقع الحل المفيد الموقع الإلكتروني التعليمي المتميز والمتفوق بمعلوماته الصحيحة كما نقدم لكم اجوبة مختصرة على أسالتكم المتنوعة من المناهج الدراسية والعلوم الثقافية والتاريخية والاخبارية باجابة مفيدة كما ننشر لكم أعزائي الطلاب في صفحة موقع( الحل المفيد alhlmfid.com) ملخص أهم الدروس وحلول الواجبات والمراجعات لجميع المواد الدراسية للفصل الدراسي الأول والثاني المنهج الجديد كما نقدم لكم إجابة السؤال التالي....تحضير وتحليل نص في الليل للشاعر بدر شاكر السياب لغة عربية سنة ثانية بكالوريا
الحل هو
تلخيص
المكون: نص قرائي شعري
الموضوع: في الليل
بدر شاكر السياب
▪ تقديم وملاحظة
لم يتوقف خط تطور الشعر العربي عند الحدود التي وصل إليها شعراء الاتجاه الذاتي، بل استمر في التغير استجابة لمجموعة من التحولات التي عرفها المجتمع العربي خلال منتصف القرن الماضي، فأثمر لنا هذا التطور خطابا شعريا جديدا اصطُلح عليه ب " تكسير البنية " وقد جاء مرتبطا بنكبة فلسطين التي زرعت بذور الشك في نفسية المثقف العربي، بل وجعلت الشاعر المعاصر ينزع صفة القداسة عن كل ما هو متوارث وقديم، الأمر الذي دفع بمجموعة من الشعراء الجدد إلى الثورة على تقاليد القصيدة العربية التقليدية على مستوى الشكل والمضمون معا، فخاضوا مغامرة التجريب من خلال الدعوة إلى استبدال هذه التقاليد بنظام شعري جديد يتيح حرية أكبر للشاعر حتى يتسنى له التعبير عن تموجاته النفسية وحركية المشاعر والأفكار عنده من دون قيود ولا شروط مسبقة، وأمام هذا الوضع تجاوز شعراء تكسير البنية نظام الشطرين المتناظرين ووحدة القافية والروي بنظام آخر جديد يقوم على وحدة التفعيلة التي يوزعها الشاعر على أسطره الشعرية تبعا لدفقاته الشعورية..كما جعلوا مضامينهم مرتبطة بالواقع والحياة والتجربة بعيدا عن الأغراض المتوارثة، وصارت لغة سهلة ولينة وفي الآن نفسه تتسم في تشكيلها بالعمق والغموض، وكذلك صورهم الفنية لم تعد تُستقى من الذاكرة بل أمست تُستمد من تجاربهم الحياتية ورُؤاهم الخاصة للواقع الاجتماعي الذي كانوا يعيشون فيه، ومن أبرز رواد هذا الاتجاه الشعري نذكر؛ نازك الملائكة، عبد الوهاب البياتي، صلاح عبد الصبور، أدونيس، يوسف الخال، أحمد عبد المعطي حجازي... إضافة إلى بدر شاكر السياب الذي يعد واحدا من هؤلاء الرواد الكبار الذين أرسوا دعائم القصيدة العربية الحديثة، وقد صُنف نصه - قيد الدرس والتحليل - ضمن روائعه الخالدة وإبداعاته المتفردة في هذا المجال.
وإذا نحن عدنا إلى عنوان هذا النص "في الليل" سنجده من حيث التركيب مؤلفا من وحدتين معجميتين، تشكلان معا شبه جملة، تعرب الأولى منهما حرف جر، أما الثانية فاسما مجرورا.. وهو عنوان يحمل في طياته الكثير من الأبعاد والدلالات، نجملها في الإحالة على العتمة والصمت والعزلة والوحدة.. ومن خلال ربطه بتجربة الشاعر سيظهر لنا ما كان يلاقيه الشاعر فيه من معاناة وحزن بسبب شعوره بالاغتراب والضياع..
ومن خلال المؤشرات النصية الدالة من قبيل؛ العنوان ودلالته والشكل البنائي للنص القائم على نظام الأسطر المتفاوتة والمتباينة في أروائها وقوافيها، ودلالة السطرين الأول والأخير منه، وكذلك التوقيع الزمني المُذيّل له، فضلا عن معرفة حياة الشاعر، وكذا الصورة المرفقة له.. نفترض أننا أمام قصيدة شعرية حديثة تندرج ضمن خطاب تكسير البنية، سيعبر فيها الشاعر بدر شاكر السياب عن توتره وقلقه وانفعاله بسبب الوحدة والعزلة والغربة التي كان يشعر بها في رحلته الاستشفائية إلى لندن.. ومن هنا نتساءل قبل ولوجنا إلى العالم الداخلي للنص فنقول: ما المضامين الشعرية التي لهج بها الشاعر في هذا النص..؟ وما الحقول الدلالية المرتبطة بها..؟ وما هي أهم الخصائص الفنية والوسائل الأسلوبية التي استعان بها الشاعر في نقل مضامينه الشعرية..؟ وهل استطاع بهذا النص أن يعكس لنا مقومات خطاب شعر تكسير البنية على مستوى الشكل والمضمون معا..؟
▪ الفهم
يتوزع المحمول الدلالي لهذا النص الشعري إلى وحدتين دلاليتين نستعرضهما كالآتي:
+ الوحدة الأولى: يصف فيها الشاعر غرفته الموصدة التي يسودها الصمت ويخيم عليها الظلام والاغتراب وهو في حالة إعياء من دون صديق يؤنس وحشته.
+ الوحدة الثانية: يتفقّد فيها الشاعر وضعيته النفسية والشعورية، وما ترتّب عنها من توهم جعله يعيش هاجس الموت الذي ذكره بوفاة أمه.
---<< من خلا-٢ل تأملنا في هذه المضامين الشعرية التي بسطها الشاعر في هذا النص تظهر لنا نغمة الحزن والاغتراب الذي كان يعيشه الشاعر بسبب معاناته مع المرض، وقد عبر عن هذا الشعور من أول سطر إلى آخره في وحدة موضوعية مترابطة الأجزاء والعناصر.
▪ التحليل
- دراسة المعجم
توسل الشاعر في عرض مادته الشعرية بمعجم لغوي مزج في مفرداته التي اختارها بعناية كبيرة بين ثلاثة حقول دلالية هي كالآتي:
+ حقل دال على الزمان: الليل، سريت، الزمن، يوم الحشر، أسير، ستلقاني...
+ حقل دال على المكان: الغرفة، بستان، لحد، المقبرة، الأرض، النهر...
+ حقل دال على الموت: الموت، الكفن، الثكلى، المقبرة، كفني، عزريل، لحدي...
---<< من خلال تأملنا في ألفاظ الحقول الدلالية أعلاه نستطيع القول بأن هناك علاقة قرابة بينها، يجسدها إحساس الشاعر بالغربة فيها جميعها، فالسياب نظم هذه القصيدة في لدن التي قصدها طلبا للشفاء، وقد أشعره مرضُه، وكذلك بُعده عن وطنه وأهله بالاغتراب في الزمان والمكان والمصير المحتوم الذي كان يترصده في غرفته المظلمة.
ملمح آخر يمكننا أن نسجله بخصوص هذا المعجم، ويتعلق بطبيعة مفرداته التي اتسمت في مجملها بالسهولة والليونية وهيمنة عناصر الطبيعة عليها إذا ما استثنينا بعض الألفاظ الموروثة مثل؛ عزريل، الحائك، يرفوه، من صدر الأرض.. وهو ما يكسر أفق انتظار القارئ ويدفعه إلى التأويل والتفسير والمقارنة.
- بنية الأسلوب
على مستوى الأسلوب؛ زاوج الشاعر بين الأسلوبين الخبري والإنشائي، حيث أخبر بالأول عن معاناته وهو في غرفته التي وصف أجواءها الحزينة (...) بينما عبر بالثاني عن انفعالاته وهواجسه التي كانت تؤرقه بسبب معاناته مع المرض، ومن مظاهر هذا الأسلوب نجد؛ الأمر (..) والاستفهام (...) و النداء (...)
أما ما يتعلق بالأفعال فقد عمد الشاعر إلى توظيف عدد كبير منها، خاصة ما يحيل على المضارع الذي يفيد الاستقبال والتسويف مثل: ستلقاني - ستقول - سآخذ... وهي أفعل تحمل رؤية دلالية إيحائية تتجلى في رسمها لصورة قاتمة على مستقبل الشاعر وهو يستعد لتجربة الموت تماشيا مع طبيعة الجملة الفعلية الدالة بذاتها على الاستمرار و التحول، خلافا للاسمية التي تحيل على الثبات و الإستقرار، وقد هيمنت الأولى على الثانية، لأن الشاعر بصدد التحول نحو المصير المحتوم الذي هو الموت..
وإذا كان الشاعر قد زاوج في الأسلوب وفي الأفعال فإنه سار على المنوال نفسه في الضمائر التي جمع فيها بين ما يدل على الغائب.. والمتكلم.. وكذلك المخاطب..
- الصور الفنية
وظف الشاعر صورا شعرية ملئية بالخيال، جعلت النص أكثر دلالة وإيحاءً وعمقا، وذلك من خلال الإنزياح الذي خلق به الشاعر علاقات جديدة بين الكلمات، تجاوز بها المعتاد في تركيبها والمألوف في صياغتها، ويمكن أن نمثل للخرق الدلالي الذي اتصفت به بعض ألفاظ هذا النص بكلمة "الأم" لبيان دلالة حضورها في تجربة الشاعر الذاتية، فالأم مصدر للحنان الذي افتقده الشاعر في سن مبكرة، فقرر وهو في خريف عمره أن يسير إليها بخطوات حثيثة بعدما أصبح وحيدا ليحظى به عندها في العالم الآخر، ولكن بتأمل بسيط في إيحاءات هذه اللفظة (الأم) على طول الممتد النصي يتبين لنا أن الشاعر رمز بها إلى الأرض التي ستحضنه في هذه المرحلة التي أصبح فيها ضعيفا كما حضنته الأم في وهَنِهِأخبار لما كان صغيرا..
ورغم اعتماد الشاعر على الانزياح و الإيماء والرمز فإنه لم يستغنِ عن مباحث البلاغة العربية القديمة، فحضر التشبيه في قوله: "وأثوابي كمفزع بستان" ... والاستعارة في وصف الصمت حين قال: "الصمت عميق"... ليُظهز بكل هذا عمق الوحدة والعزلة التي يعيشها في غرفته الموصدة..
وجدير بالذكر الإشارة في هذا السياق إلى أن هذه الصور الفنية قد اضطلعت جميعها بوظائف كثيرة، إذ بها تمكن الشاعر من تصوير حالته النفسية وكذا الجسدية فضلا عن أجواء الغرفة التي كان يتواجد فيها، وبها كذلك استطاع أن يضفي على نصه طابعا تأثيرا وبُعدا جماليا زادا من شعرية النص ورفع درجة فنيته، وهذا ما أكسبَه نوعا من الغموض الفني الذي أصبح من سمات الشعر الحديث.
وعموما؛ تبقى هذه القصيدة في مجملها صورة كلية واحدة تجسد مشهدا فنيا دراميا رسمه الشاعر بمعاناته النفسية التي سببها له هاجس الموت الذي كان يتهدده في غرفته الحزينة بإحدى مستشفيات لندن وهو يكابد آلام الوحدة والعزلة والاغتراب.. ومن خلال هذه الصورة الكلية نستشف أيضا طبيعة رؤية الشاعر للحياة والموت والوجود، والتي لا تخرج عن اعتبار الحياة مصدرا للألم والعذاب والشقاء.
- البنية الإيقاعية
وإذا عرجنا ناحية الجانب الإيقاعي، وتوقفنا عند الخارجي منه، سنجد مجموعة من الانتهاكات الفنية التي حرص من خلالها الشاعر على تكسير البناء التقليدي للقصيدة العربية العمودية، وأول ما يلفت النظر فيها هو استغناء الشاعر عن نظام الشطرين المتناظرين اللذين استبدلهما بنظام الأسطر التي جعل أساسها وحدة التفعيلة والتي وزعها بطريقة تتماشى مع دفقاته الشعورية والحالة النفسية التي كانت تنتابه لحظة الإبداع، وهي تفعيلة تنتمي إلى بحر المتدارك ( فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن × 2) الذي يعد من الأبحر الصافية، هذا بالإضافة إلى التنويع في القافية والروي، فعلى مستوى القافية؛ نشير إلى أنها جاءت مطلقة ورويها متحرك في الأسطر (1- 6 - 7 ...) ومقيدة رويها ساكن في أسطر أخرى مثل ( 2- 4 - 8- 9 - 10 ...) مردوفة أحيانا ( تنتهي بساكنين؛ 00؛ في السطرين: 2 - 4 ) وغير مردوفة في أحيان أخرى ( 1 - 5 - 6... ) أما الروي فلم يسلم هو الآخر من التنويع، فجاء بالقاف والدال والباء والنون والميم، وهي إما حروف مجهورة شديدة تدل على المعاناة والألم، أو مهموسة تحيل على الحزن والأنين، غير أنها جميعها تجسد الحالة النفسية التي كان يعيشها الشاعر..
أما فيما يخص الإيقاع الداخلي، فقد وظف فيه الشاعر بنية تركيبية يغلب عليها عنصر التكرار، ويمكننا أن نتبينه كالآتي:
~ تكرار الحروف: سواء المجهورة التي تعكس شدة المعاناة ومدى رغبة الشاعر في الجهر بمحنته كالقاف والدال والباء... أو المهموسة التي تعكس الحالة النفسية المتأزمة للشاعر وما كان يعتريه من ضعف ومرض وانكسار، مثل؛ الهاء والسين والصاد، فضلا عن حروف المد التي تحيل على التأوُّه والحسرة والشعور بالألم..
~ تكرار الكلمات، مثل؛ الباب، الصمت، الليل، المقبرة.. وذلك قصد ترسيخ تجربة الشاعر مع المرض..
~ تكار العبارات، نحو؛ الغرفة موصدة الباب، الصمت عميق، ستلقاني أمي، وهذا التكرار يصطلح عليه بالتكرار التركيبي، وقد اضطلع هذا الأسلوب بكل أنواعه بجملة من الوظائف أبرزها التأكيد والتزيين وخلق الإيقاع، ونضيف إلى هذا الأسلوب البلاغي أسلوبا فنيا آخر يسمى بالتوازي الذي منح النص نوعا من التناسق الموسيقي على مسافة زمنية معينة ومحددة، ويتمثل في قول الشاعر: الصمت عميق = رب طريق. مفزع بستان سود = أعطاها الباب المرصود.
وتبقى هذه القصيدة من حيث الإيقاع معزوفة حزينة نقل من خلالها الشاعر معاناته مع تجربة المرض والاغتراب.
▪ التركيب
بناء على ما تقدم نستطيع القول إن الشاعر بدر شاكر السياب تمكن في هذا النص من تصوير محنته مع المرض وما كان يعتريه فيه من شعور بالوحدة والاغتراب، فضلا عن تجسيد موقفه الوجودي من ثنائية الحياة والموت، وقد صاغ هذه المعاني الشعرية بكثافة انفعالية مهزوزة أشَّرتْ عليها الانتهاكات الفنية التي استند إليها في نقل مضامينه الشعرية والتي جعلت من هذه القصيدة مشهدا دراميا حزينا في مقدمتها الانزياح القائم على الخرق اللغوي والبناء الإيقاعي الجديد الذي كسّر نظيره الثابت والمتوارث، وهذا ما يجعل منها مرجعا مهما للقارئ العربي حتى يستدل بها على مظاهر التجديد والتطور التي لحقت المستويات الفنية والإيقاعية للقصيدة العربية في العصر الحديث في إطار ما سمي بشعر تكسير البنية.. وبهذا نصل إلى التأكيد على صحة الفرضية التي طرحناها في مستهل دراستنا لهذا النص، وذلك بانتمائه إلى شعر تكسير البنية، وبحديث الشاعر فيه عن تجربته المريرة مع المرض وما انتابه فيه من شعور بالوحدة والاغتراب.