مقالة فلسفية رقم 2 خاصة بدرس الحرية والمسؤولية هل العقاب تفرضه الضرورة الاجتماعية ثالثة علوم تجريبية
- مقالة فلسفية رقم 2 ، خاصة بدرس الحرية والمسؤولية
- الأقسام المعنية: ثالثة علوم تجريبية/ ثانية آداب وفلسفة
* هل العقاب تفرضه الضرورة الاجتماعية أم مطلب أخلاقي مقدس ؟
مقدمة طرح المشكلة :
اذا كانت المسؤولية تقتضي الجزاء على الفعل من حيث نوعه وطبيعته ، فهي اقتضاء يُمارس على الفاعل من حيث ارتكابه لفعله . فان كان الفعل حسنا قُلنا على صاحبه انه يستحق الثواب ، وان كان الفعل مُخالفا لزم صاحبه الذم والعقاب ، لكن طبيعة هذا العقاب هي من جعلت الجدل يحتدم بين الفلاسفة والعلماء حول ما اذا كان المجتمع هو من يفرض هذا العقاب أم أن الذي يُلزمنا به هو الضمير الأخلاقي . فكان السؤال كالتالي :هل العقاب مطلب أخلاقي أم ضرورة اجتماعية ؟. هل كل فعل مخالف يقتضي من صاحبه أن يتحمل المسؤولية باعتباره مسؤول ؟.واذا اعتبرنا ان الانسان مسؤول هل المسؤول يُعاقب ؟.
الموقف الأول :"أصحاب النظرية المثالية أو العقلية" "العقاب مطلب اخلاقي يقتضيه الواجب". يرى أنصار هذا الموقف أن العقاب قضية أخلاقية يفرضها التكليف ، باعتبار الانسان مسؤول . اذ المسؤولية عندهم تقتضي الحرية وما دام الانسان حرا وعاقلا فهو يُميز بين الأفعال "خيرها وشرها". ذلك كون الإنسان يستطيع أن يميز بين الافعال ويختار منها ما هو ملائم ، ثم إن الغاية من العقاب هي تطهير للنفس وقصاص للعدالة فهي لا تعني انتقاما من المجرم بقدر ما تحمل بعدا انسانيا يتمثل في اصلاحه، كما أن المسؤولية عندهم اخلاقية ، فردية كانت أم اجتماعية ، ومن دعاة هذا الموقف نجد كل من أفلاطون وتلميذه أرسطو اللذان أكدا بأن الانسان مسؤول من الناحية الأخلاقية على ما يقترفه من افعال وسلوكان خاصة المتعارضة مع الطبيعة البشرية الخيرة والخارقة للنظام الإجتماعي ( نظام المدينة كما يقول أفلاطون)، وفي هذه الحال يكون العقاب أشد وأكبر من اللذة التي قد يحصل عليها المجرم أثناء ارتكاب الجريمة ومعنى قوله "ان العقاب وسيلة ردع للمجرم" . أما فرقة المعتزلة وعلى رأسها واصل بن عطاء فقد أكدت أيضا بأن الانسان مخير غير مسير وبالتالي فهو مسؤول عن كل ما يصدر عنه ومن هنا نفهم الحكمة من التكليف سواء في الأمور الدنيوية أو الأخروية . أما الفيلسوف الألماني ورائد الفلسفة النقدية ايمانويل كانط فقد قال "أن الشرير يختار أفعاله بإرادته بعيدا عن تأثير البواعث والأسباب، وبالتالي فهو بحريته مسؤول". وهذا يعني أن الفعل الصادر عن الانسان نابع من عقله وضميره الأخلاقي بعيد عن كل اكراه خارجي، ومنه يجب العقاب .
النقد والمناقشة:
لكن نلاحظ أن أنصار هذا الموقف حتى وإن بدا موقفهم فيه الكثير من المعقولية ، الا انهم أهملوا الدوافع والأسباب التي دفعت المجرم الى اقتراف فعلته ، بل ركزوا على الأفعال والنتائج من حيث هي مخالفة، لكن هل فعلا كل فعل مخالف ينتج بالضرورة عن حرية وارادة ؟ الا يمكن أن يكون المجرم مدفوعا الى الجرم بتدخل عوامل خارجة عن إرادته ؟.
الموقف الثاني :"انصار النظرية الوضعية أو الاجتماعية " "لا يجب عقاب المجرم بقدر ما يجب إصلاحه" .
يرى أنصار هذا الطرح أن المجرم مدفوع الى الجريمة دفعا والمدفوع لا يعاقب ، بل يجب حمايته وإصلاحه لكي يصبح فردا صالحا ومؤهلا . ذلك لأن العوامل النفسية والبيولوجية والاجتماعية هي الدافع الى الاجرام ، وبالتالي فان الجريمة ثمرة حتمية لمجموعة من الأسباب والشروط ، فاذا توفرت هذه الأخيرة حدثت الجريمة، ومن رواد هذا الموقف نجد العالم الايطالي (سيزار لومبروزو) حيث رد الاجرام الى عوامل وراثية ، اذ يولد الانسان وهو مزود بما يُعرف بكروموزوم الجريمة، وقد قسم المجرمين إلى أصناف : مجرمون بالفطرة وآخرون بالعادة وهناك المجانين...ويجب التعامل مع كل صنف حسب طبيعته مع ضرورة استبعاد العقاب لأنه خيار غير مناسب في هذا النوع من الحالات بالقياس إلى الخيار الإصلاحي والعلاجي، والى جانب هذا الطرح برز الطرح الإجتماعي الذي يرى أنصاره بأنه ناتج عن ظروف اجتماعية قاهرة فالمجرم يقع في حالة الفقر أو العكس يكون في حالة غنى فاحش ، كما يضاف إلى هذا التفكك الأسري الذي يؤدي بدوره الى الاختلال في التوازنات الاجتماعية مما يعمل على اضطراب الفرد ، وهذه العوامل كلها مجتمعة تؤدي إلى الاجرام . لذا يطلب منا الاصلاح لا العقاب . أما عالم النفس وطبيب الأعصاب النمساوي (سيغموند فرويد) فقد رأى أن الاجرام يحدث نتيجة اضطراب نفسي أو ما يعرف بالكبت ، لأن الإنسان المريض يكون في حالة لا شعورية لذا وجب علينا معالجته، خاصة وأن الغريزة العدوانية لصيقة بالنفس البشرية مثلها مثل الغريزة الجنسية، وهما معا يؤثران على سلوكاته وتصرفاته وعلاقته بغيره .
النقد والمناقشة:
لكن نلاحظ أن هذه النظرية هي الأخرى أهملت حقيقة الجريمة واهتمت بظروف المجرم ، ثم الا ترى أن ما جاء به أصحاب هذه النظرية يعد دعوى الى تفشي الجريمة واستفحالها في أوساط المجتمع ؟.اذ لا يجب أن نغلب الظرف عن حقيقة الجريمة. إن هذهذا الموقف تبريري وليس عقلانيا ويفتقد إلى الصرامة في التعامل مع الافراد.
التركيب :
يمكن القول بأن مسؤولية الإنسان نسبية، وبالتالي فالغاية من الجزاء أو العقاب يجب أن تكون أخلاقية واجتماعية في الآن نفسه؛ لأن العقاب في حد ذاته مشروع باعتباره يُقَوِّم ويوجه ويضبط وينظم سلوك الفرد والمجتمع . كما قد نراعي الظروف والبواعث والأسباب المتعلقة بالجريمة من خلال التربية والمرافقة والرعاية المستمرة للأفراد حتى قبل حدوث الجرائم وليس بعد حدوثها فقط.
حل المشكلة :
كحل لهذه المشكلة يمكن التأكيد على أن العقاب مطلب أخلاقي حاسم وضرورة إجتماعية تنظيمية لضبط الافراد وحماية الممتلكات العامة ، وبهذا نفصل في مقالنا بأن العقاب هو الذي يهدف الى ردع المجرم وحماية المجتمع ، لكن يجب أن ننظر أيضا إلى لأسباب المؤدية إلى الجرم ولا نغفل عنها، فنراعي بذلك السبب والنتيجة دون ترجيح لكفة أحدهما على الآخر .