تحليل مسرحية اللحن الجديد ل"توفيق الحكيم سنة ثانية ثانوي
لغة عربية بكالوريا
هلاً بكم طلاب وطالبات في موقع الحل المفيد الموقع الإلكتروني التعليمي يسرنا أن نطرح بين يديكم إجابة السؤال القائل تحليل مسرحية اللحن الجديد ل"توفيق الحكيم سنة ثانية ثانوي
وتكون اجابتة الصحية والنموذجية للسؤال هي
.
تحليل مسرحية اللحن الجديد
ل"توفيق الحكيم"
عرف العرب منتصف القرن التاسع عشر مجموعة من الأشكال النثرية الحديثة، التي لم يسبق لهم الاتصال بها في القديم؛ كالقصة، وفن المقالة، والمسرح، نتيجة الانفتاح الثقافي على الغرب، إضافة إلى النهوض بالعمل الثقافي؛ بإنشاء الجامعات والمدارس ودور الثقافة، ونشاط حركة الترجمة والصحافة. ويعد المسرح من بين أبرز هذه الأشكال النثرية، فهو من أقدم الفنون وأكثرها تعبيرا عن التجارب الإنسانية، يختلف عن الأجناس السردية الأخرى بهيمنة الحوار فيه؛ كتقنية تؤدي إلى تنامي الأحداث، وتحريك الصراع بين الشخصيات. اختلف النقاد في نشأته، فمنهم من يرى أن العرب عرفوا بعض الأشكال التراثية القريبة من المسرح؛ كالحلقة، والبساط، وسلطان الطلبة. ومنهم من يرى أن المسرح الحقيقي، هو ما ورد إلينا عن طريق الغرب بشكله الحديث. مع هذا يمكن القول إن المسرح، قد اكتسب خصوصيته وأصالته بفضل جهود المسرحيين العرب، وما أضافوا إليه؛ نذكر منهم: سعدالله ونوس، الطيب الصديقي، أحمد الطيب لعلج، عبد الكريم برشيد، توفيق الحكيم. هذا الأخير الذي وهب حياته للمسرح، عانق قضايا المجتمع المصري في كتاباته، وصور انشغالات الفرد المصري. ونصه المسرحي "اللحن الجديد" الذي بين أيدينا، من جنس هذه المواضيع، فإذا انطلقنا من عنوانه وبدايته، نفترض أنه سيتناول حوارا يدور بين زوجين حول حياتهما الجديدة بعد الزواج.
فما هي أحداث هذه المسرحية؟ وهل حافظ الكاتب توفيق الحكيم على خصائص ومقومات الكتابة المسرحية؟ وما هي الأبعاد والمقاصد التي يرمي إليها من وراء مسرحيته؟
تعرض المسرحية حوارا، يدور بين زوجين حديثي عهد بالزواج، وهما: حمدي ووجدان اللذان يحتفلان بمرور شهر العسل الثاني على زواجهما؛ إذ أهدى الزوج زوجته زهورا، ووعدها بلحن جديد سيؤلفه لها، وقد لفت انتباهه شرود زوجته في الأيام الأخيرة، وأبدى انشغاله بالأمر، محاولا معرفة سبب ذلك، ومفسرا ما لاحظه بتصرفات حماته وسلوكاتها تجاهه، فهي غير راضية عنه، وعن وضعه المادي، رغم الجهد الذي يبذله في سبيل توفير ظروف معيشية لائقة بزوجته، دائمة التدخل في شؤون الزوجين، ترى السعادة من منظور المال والجاه والألقاب الزائفة، وليس جانب العاطفة والمشاعر والحب الصادق. إلا أن الزوجة تحاول التخفيف من حدة هواجسه وطمأنته، وإصلاح ذات البين بينه وبين أمها.
إذا تأملنا هذه المسرحية من جديد، نجد أن أحداثها تنتظم وفق خطاطة سردية، تحترم مبدأ التسلسل الزمني والترابط المنطقي. فكل حدث يفضي إلى آخر وفق تسلسل زمني، وترتيب منطقي معقول، كما يفضي السبب إلى النتيجة. نوضح ذلك على الشكل الآتي:
* الوضعية الأولية: احتفال الزوجين بمرور شهر على زواجهما.
* الوضعية الوسطى:
- حدث طارئ: ملاحظة الزوج شرود زوجته وقلقها.
- تطورات الأحداث: تفسير سبب ذلك بقدوم الحماة للإقامة معهما- تذكيره لزوجته بمعاملة الحماة السيئة له- تدخلها الدائم في شؤونهما- عدم رضاها على وضعه المادي.
- النتيجة: محاولة الزوجة تهدئة روع زوجها، وإصلاح ذات البين بينه وبين أمها.
* الوضعية النهائية: فشل الزوجة في إقناع زوجها وتغيير موقفه من أمها.
ما يمكن استنتاجه من هذه الخطاطة السردية أنها بدأت بوضعية رتيبة هادئة لكن طابعها ايجابي فالزوجان يحتفلان بمرور شهر العسل الثاني على زواجهما، ليخترق هذه البنية حدث مفاجئ وهو شرود زوجته وما نتج عنه من صراع، لتغلق هذه البنية من جديد بوضعية رتيبة هادئة، وهي ثبات الزوج على موقفه من الحماة.
إن شخصيات هذه المسرحية، تبدو متناقضة إلى حد بعيد؛ من حيث المشاعر والانفعالات وطريقة التفكير، والنظرة إلى الحياة في جانبيها المادي السلبي/ أو العاطفي الايجابي. فبدءا بحمدي الزوج المخلص، والمحب لزوجته، عازف البيانو الرجل الرومانسي الحالم، يحب الحياة، متفائل، ومتطلع إلى غد مشرق، مرورا بالزوجة وجدان المرأة المخلصة لزوجها، والرقيقة الحنونة، مثال المرأة الصابرة على وضع زوجها المادي، والمقدرة لظروفه. وتجدها دائما في صف زوجها، وتستنكر دوما تصرفات أمها، وسلوكاتها تجاهه. وانتهاء بالحماة المرأة الفضولية، والناكرة للجميل، والجارحة للمشاعر، لا يهمها شيء سوى المال والألقاب الزائفة. تتدخل دوما، لتنغص على الزوجين سعادتهما. فالتناقض إذن سمة، تطبع هذه الشخصيات طول مسار المسرحية، نتيجة تباين طباعها الفكرية والأخلاقية، وهذا ما ولد صراعا بينها في المواقف والرؤى الحياتية. هذا الصراع يتخذ في المسرحية شكلين اثنين:
* صراع نفسي داخلي: يمثله الزوج القلق بشأن زوجته الشاردة، والتي هي الأخرى تعيشا صراعا نفسيا داخليا؛ بسبب تدخلات أمها، وسلوكاتها التي تثير غضب زوجها، فهي حائرة بين الاثنين.
* صراع اجتماعي خارجي: هو صراع تمثله الحماة الرافضة لوضع حمدي المادي، والقلقة تجاه ظروف ابنتها المعيشية. تصر دوما على التدخل في حياة الزوجين؛ لتكدر عليهما صفوها، لا هم لها في الحياة سوى المال والجاه والألقاب الزائفة، فهي لا ترى الأشياء الجميلة إلا من منظور جانبها المادي الصرف؛ فلا حب حمدي لابنتها يشفع له عندها، ولا ألحانه الجميلة صرفت شرها عنه. لهذا نجد الزوجة، تحاول جاهدة التخفيف من حدة هواجس الزوج، ونفي ما يقول عن أمها، إلا أن حجج الزوج في الإقناع كانت أقوى، لأنه يمتلك أدلة مادية، لا تستطيع الزوجة إنكارها.
هكذا نجد أن توفيق الحكيم يتخذ من الأطراف المتحاورة في المسرحية، والعلاقات فيما بينها رمزا لتصارع ثنائية الخير والشر في الحياة؛ فإذا كان حمدي ووجدان رمزين للحب والقناعة والرضى، فإن الحماة رمز للشر وللمجتمع الذي ينساق وراء الماديات والحياة المزيفة، ولا يهتم سوى بالمظاهر الخادعة.
إذا كان توفيق الحكم، قد استطاع من خلال مسرحيته، تسليط الضوء على واقع الأسر العربية، ومشاكلها اليومية التي تعرف صراعا يوميا مستمرا، وتهافتا على الجانب المادي للحياة في تناس تام للجانب العاطفي، فإن توظيفه لعنصري الزمان والمكان، كان في تساو وانسجام تامين، مع هذا المغزى الذي يريد إيصاله للقارئ؛ فالزمان هو شعر العسل الثاني، أما المكان فهو شقة جميلة على النيل؛ مما يوحي بالرومانسية الجميلة التي تتحول معها الحياة، رغم المتاعب التي تسببها الحماة، إلى سعادة وهناء ونعيم، بفعل تفاهم الزوجين "حمدي ووجدان"، والحب المتبادل بينهما.
من جهة أخرى، فقد أسهمت الإرشادات المسرحية التي وظفها الكاتب، في كشف أحداث المسرحية، وتجليتها؛ من خلال وصف طباع الشخصيات، ورصد ردود أفعالها؛ نتيجة الصراع الدائر بينها(حمدي أمام بيانو كبير يجري أصابعه عليه بمطلع أغنية يؤلفها/ ووجدان تنسق أزهارا/ شاردة فجأة)، والإحاطة بطبيعة الزمان والمكان اللذين يؤطران الأحداث(شقة جميلة على النيل).
ختاما يمكن القول إن الكاتب توفيق الحكيم، قد استطاع الوفاء لخصائص المسرح الفنية، كما تواضع عليها كتاب ومبدعو هذا الجنس الأدبي؛ من حيث توظيفه للحوار الخارجي المباشر الذي يكشف الأحداث ويجليها، والذي يخلق الصراع بين الشخصيات، فتتأزم علاقاتها؛ حيث كل شخصية تسعى نحو إثبات كينونتها ورؤيتها للحياة، ثم الإطار الزماني والمكاني الذي يؤطر الأحداث ويحتويها. هذه العناصر المسرحية أسهمت بشكل كبير في تقديم صورة لواقع الحياة اليومية للأسر العربية، وتسليط الضوء على مشاكلها الاجتماعية، وصراعات أفرادها، وواقع الصراع الطبقي بينهم، وتهافت بعضهم على المال، وقناعة آخرين، وتغليبهم جانب الحب والعاطفة على المال والجاه. ليكون بهذا المسرح أنسب الفنون، للتعبير عن كثير من الظواهر الاجتماعية؛ لقربه من المتلقي من خلال اعتماده على الحركة والتمثيل والتشخيص، وهذا ما يجلب المشاهد لمتابعة موضوعاته.