0 تصويتات
في تصنيف حلول مناهج التعليم بواسطة (749ألف نقاط)

نموذج قصصي(قصة نفسية) تحليل قصة "الحكاية رقم8" لنجيب محفوظ

سنة 2 ثانوي 

لغة عربية للسنة الثانية ثانوي اداب وعلوم انسانية 

هلاً بكم طلاب وطالبات في موقع الحل المفيد الموقع الإلكتروني التعليمي يسرنا أن نطرح بين يديكم إجابة السؤال القائل نموذج قصصي قصة نفسية تحليل قصة الحكاية رقم 8 لنجيب محفوظ

وتكون اجابتة الصحية والنموذجية للسؤال هي 

نموذج قصصي(قصة نفسية) تحليل قصة "الحكاية رقم8" لنجيب محفوظ        

      لقد عرف الأدب العربي نهاية القرن التاسع عشر ظهور مجموعة من الأجناس النثرية الحديثة؛ كالقصة والمسرحية وفن المقالة، نظرا للتحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي شهدها الواقع العربي آنذاك. حيث ازدهر العمل الثقافي وتم تشجيعه؛ بإنشاء الجامعات والمكتبات ودور النشر، إضافة إلى الدور البارز الذي لعبته الصحافة في التعريف بهذه الأجناس، كما لا ننسى عاملا مهما، هو عامل الانفتاح على الغرب الذي أتاح للمبدعين والمثقفين العرب تعرف هذه الأشكال النثرية. وتعد القصة القصيرة أبرز هذه الأشكال، فهي تعتبر أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر، تكتفي بتصوير جانب واحد من حياة الفرد أو خلجة واحدة من خلجاته تصويرا مكثفا خاطفا. تكاثر فيها الكتاب والمبدعون بداية القرن العشرين. من أبرزهم؛ نذكر يحيى حقي، محمود تيمور، محمد تيمور، يوسف إدريس، زكرياء تامر، عبد المجيد بن جلون، أحمد بوزفور، محمد زفزاف، محمد إبراهيم بوعلو، نجيب محفوظ. هذا الأخير الذي سطع نجمه في سماء الإبداع القصصي، فكان واحدا من أبرز رواده. امتازت أعماله القصصية بطابع الواقعية؛ من خلال جس نبض واقع الشارع المصري البسيط. والإنصات لهموم أفراده. ونصه "الحكاية رقم8" الذي بين أيدينا، المقتطف من مجموعته القصصية "حكايات حارتنا"، هو جزء لا يتجزأ من سلسلة هذه الأعمال القصصية. فمن خلال بدايته وعنوانه يتبين لنا أننا أمام قصة قصيرة تقدم حكاية طفل يعشق زيارة القرافة، فما هي أحداث هذه القصة بالتفصيل؟ وما مدى التزام الكاتب نجيب محفوظ بخصائص الكتابة القصصية، ومقوماتها الفنية؟

      تدور أحداث نصنا حول حكاية السارد مع القرافة، فزيارتها تعد من أسعد أيام حياته البهيجة، لتتغير هذه الصورة؛ بموت الطفل همام ابن أخته، الذي حل ضيفا عندهم لأيام معدودة، حيث آنس وحدته وملأ فراغ حياته فكان لمرضه المفاجئ ولموته، بالغ الأثر في نفسه؛ لتصبح بعدها زيارة المقبرة عنده، مرتبطة بالحزن والكآبة والذكرى القاسية.

        إذا تأملنا هذه القصة من جديد، نجد أن أحداثها تنتظم وفق خطاطة سردية، تحترم مبدأ التسلسل الزمني والترابط المنطقي. فكل حدث يفضي إلى آخر وفق تسلسل زمني، وترتيب منطقي معقول، كما يفضي السبب إلى النتيجة. نوضح ذلك على الشكل الآتي:

وضعية البداية: فرح السارد وابتهاجه، المرتبطان بزيارة القرافة.

سيرورات التحول: - حدث طارئ: قدوم همام للإقامة بمنزل السارد.

                       - تطورات الأحداث: استئناس السارد برفقة همام ولعبه الدائم معه – مرض الطفل همام – إبعاد السارد عن المكان.

                      - النتيجة: موت الطفل همام.

الوضعية النهائية: تغير نظرة السارد للقرافة، وانتفاء الشعور بالبهجة عند زيارتها.

    ما يمكن استنتاجه من هذه الخطاطة السردية، أن بنية القصة بدأت بوضعية رتيبة هادئة وساكنة، ولكن وقعها ايجابي على نفسية السارد، فهو يسعد ويبتهج بحلول مواسم زيارة القرافة. ليخترق هذه البنية حدثان مفاجئان؛ حدث مفاجئ أول ايجابي عند قدوم الطفل همام للإقامة بمنزل السارد، وحدث مفاجئ ثان سلبي عند مرض الطفل همام وموته، لتغلق هذه البنية من جديد بوضعية رتيبة هادئة؛ إلا أنها سلبية عندما تتغير نظرة السارد للقرافة، فتصبح نظرة كآبة وحزن وإبهام.

     إن محرك هذه الأحداث هي القرافة، فهي نقطة تمركزها، والباعث على وجودها؛ لكن الذي منحها هذه الصورة هو بطلنا السارد. فهو الشخصية المحورية في الأحداث، فلا تتم إلا بوجوده، فهو حاضر على طول مقاطعها تتغير سماته وتتبدل تبعا لتناميها وتطورها. نعيش معه فصول قصته؛ فنبتهج لابتهاجه، ونشقى لشقائه. فهو طفل صغير يهوى زيارة القرافة، بل تمثل مواسم زيارتها أسعد أيامه. لكن هذه النظرة تتغير بعد مرض صديقه وابن أخته همام، فيتعس لغيابه، و يصدم بخبر موته فيتألم لفقده. فلا تعود زيارة القرافة من أيامه البهيجة، فهي الحزن والخوف والذكرى القاسية.

     إذن فموت همام، هو ما غير نظرة السارد إلى القرافة. ولا غرو في هذا، مادام ابن أخته، ورفيقه الدائم. طفل في الرابعة من عمره أو يزيد، لا يحلو لبطلنا اللعب دونه؛ لخفة روحه وحيويته الدائمة، وعدم ملله من اللعب. يصدق أكاذيبه وأوهامه، لكن الموت لا يرحم فيقتنص روحه؛ ولا يمهله الوقت الكبير ليودع السارد، فيموت على حين غرة، بعد مرض لم يدم طويلا.

     الملاحظ أن أغلب السمات المرتبطة بالسارد سمات نفسية متبدلة ومتقلبة، بتبدل الأحداث وتقلبها. وتشكل القرافة بمؤثثاتها سبب هذه التقلبات والدافع إليها، فهي المكان الرئيس لوقوع الأحداث، وهي نقطة بدء الحكي وخاتمته. فهي مكان مقدس أحاط به السارد وصفا دقيقا من كل الجهات، وذكر جميع مؤثثاته من باب الحوش القديم، والقبر بتركيبه الوقور المنعزل وشاهديه الشامخين، وشجيرة الصبار. وهو مكان تتبدل دلالاته، وتتغير تبعا لتغير نظرة السارد إليه؛ فقد شكل بالنسبة إليه في بداية القصة، مصدر ابتهاج وسرور وانجذاب، لكنه يتحول في نهاية القصة إلى فضاء يثير الخوف والكآبة والإبهام في نفسيته.

     إذا كان المكان "القرافة"، قد شكل في القصة محور الأحداث ومركز اجتماعها، فإن الزمان هو الآخر قد لعب دورا مشابها له ومساعدا؛ من خلال تأطير هذه الأحداث ورسم حدودها وإبراز دلالاتها. فهو يحدد وقت زيارة القرافة(مواسم القرافة/الصباح الباكر)، وزمن الاستعداد لها(العشي)، ونظرة البهجة والفرح التي تكسو سحنة السارد أثناء ذلك (أسعد أيامي البهيجة). لتتغير النظرة إليها بموت الهمام(لا تعود زيارة القبر من أيامي البهيجة). هذا عن الزمان الحقيقي أو التاريخي لوقوع هذه الأحداث، أما عن الزمن النحوي، فإن القصة تعرف هيمنة مطلقة لأفعال الحاضر(تعد، نشرع، أمضي، يسرني، أعرف، يجذبني، يتفشى، أتلقى، يحدث، أطلع، أتلقى، أتغلب...). فكأننا ببطلنا لازال يعيش على ذكرى وفاة صديقه همام القاسية، ويسترجع كل يوم فصولها المحزنة. فكأن بالموت لازال يعشش في مخيلته؛ بدليل قوله في آخر النص عن زيارة القبر:(إنه الحزن والحب الضائع والخوف والذكرى القاسية). ولا ننسى الزمن النفسي الذي يحضر بقوة كذلك في النص؛ فمن خلال نغوص في أعماق نفسية السارد، ونقيس شدة حزنه على موت همام، وخوفه من زيارة المقبرة. أما بخصوص الزمن السردي، فإنه يتميز بهيمنة الزمن التعاقبي(زمن صاعد)؛ فالكاتب يقدم الأحداث في تسلسلها المنطقي المعقول، دون استرجاع أو استشراف. وتمتاز هذه الوتيرة الزمنية بالتكثيف والاختزال نتيجة السرعة في تعاقب الأحداث، وإن كان السارد قد أوقف وتيرتها للحظة ليست بالطويلة؛ من خلال توظيفه للحوار الذي يغيب كثيرا، فلا نلمح سوى هذه الإشارة الواحدة(لا شأن لك بهذا...العب بعيدا). فهي جملة حوارية تنم عن مدى قلق السارد على صديقه همام، والغموض الذي يلف حالته، مما حدا بالعائلة إلى إبعاده لئلا يصدم نظرا لحداثة سنه. ولابد من الإشارة إلى أن الحوار، هو الحالة الوحيدة التي ينتج عنها تطابق وتساو بين زمن القصة وزمن السرد. وهو يلعب دورا كبيرا في الإيهام بواقعية الأحداث، وكسر رتابة السرد.

    إن الكاتب في سرده لأحداث قصته وتقديمه لشخصياتها ورسم ملامحها، وتحديد السياق المكاني والزماني لتحركها، كان حاضرا وشاهدا على ما يجري من أحداث وفق "الرؤية السردية مع"، موظفا ضمير المتكلم؛ فالسارد هو الشخصية المحورية في القصة، يسرد لنا ما يجري معه من أحداث؛ فنعيش فصول قصته المأساوية، فيستطيع إبلاغنا ما يشعره بكل يسر وسهولة، فنتوحد معه فيما يعيش؛ فنبتهج لابتهاجه ونشقى لشقائه.(لا تعود زيارة القبر من أيامي البهيجة.... ولا أتغلب على لوعة الفراق مع كر الأيام. إنه الحزن والحب الضائع والخوف والذكرى القاسية...)

    استنادا إلى ما سبق، يتبين لنا أن الكاتب نجيب محفوظ، قد استطاع في قصته هذه تمثل خصائص القصة الفنية ومقوماتها؛ من خلال اعتماده على وحدة الحدث (زيارة المقبرة)، والشخصية الرئيسة(البطل/السارد)، ومحدودية الزمان(وقت الزيارة)، والمكان(المقبرة). وهي تماثل القصة النفسية التي تعتمد تيار الوعي أو التداعي والتي ظهرت بداية القرن العشرين، مادام السارد يوثق لتجربة نفسية مريرة وقاسية مرت به؛ فموت صديقه همام الذي آنس وحدته وأضفى على حياته حيوية ونشاطا، قد ترك أسى عميقا في قلبه وفراغا قاتلا، وغير نظرته للقرافة. بعدما كانت زيارتها من أسعد أيامه، تتغير الصورة، لتصبح زيارتها من أتعس أيامه؛ فهي الحزن والخوف والذكرى القاسية. لنصل إلى أن نجيب محفوظ بأعماله القصصية والروائية، يعد من أبرز رواد القصة الكبار في الوطن العربي، خاصة القصة النفسية التي تعتبر أنسب الفنون للتعبير عن كثير من التمظهرات النفسية للأفراد، فهي تمثل إسقاطاتهم النفسية وتعكسها، وتجس نبضهم وتطلعاتهم، وأفراحهم وآهاتهم. فهي صفحات نفسية توثق لتجارب إنسانية كثيرة ومتشعبة.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (749ألف نقاط)
 
أفضل إجابة
نموذج قصصي قصة نفسية تحليل قصة الحكاية رقم 8 لنجيب محفوظ

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى الحل المفيد، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...